“الملك لير”.. ملخص رائعة شكسبير عن تراجيديا السلطة والخيانة

“الملك لير” هي إحدى روائع ويليام شكسبير التراجيدية، وتدور أحداثها حول ملك عجوز يقرر تقسيم مملكته بين بناته الثلاث بناءً على مدى حبهن له، مما يقوده إلى الجنون والدمار.
تُعتبر المسرحية دراسة عميقة للطبيعة البشرية، السلطة، الخيانة، الجنون، والفداء، وهي من أهم الأعمال في تاريخ الأدب الإنجليزي.
ومسرحية “الملك لير” لويليام شكسبير ليست مجرد حكاية تراجيدية، بل هي ملحمة إنسانية تُجسّد أقصى درجات الألم الوجودي والانهيار الأخلاقي.
من بين أعمال شكسبير الخالدة، تبرز هذه المسرحية التاريخية التي تخترق الروح، لغتها الشعرية الجزلة، وموضوعاتها العميقة التي لا تزال تُلامس جوهر التجربة البشرية حتى يومنا هذا.
فهي ليست قصة ملك فقد تاجه فحسب، بل هي رحلة مريرة في دهاليز الجنون، الخيانة، والبحث المضني عن الحب الحقيقي في عالمٍ يتداعى.
والمسرحية تغوص عميقًا داخل نفس الملك لير، الذي يرتكب خطأً فادحًا عندما يُسلّم مصير مملكته وقلبه للمتملقين، مُديرًا ظهره للحب الصادق الذي لا يعرف الزيف.
هذه اللحظة المحورية تطلق العنان لسلسلة من الأحداث الكارثية التي تُعرّي بشاعة الجشع، وقسوة السلطة المطلقة، وهشاشة العلاقات الأسرية عندما تتهاوى أمام المصالح الشخصية.
شخصيات مسرحية “الملك لير”
شخصيات مسرحية “الملك لير” تمثل نسيجًا معقدًا من البشرية، من الطغاة إلى الأوفياء، وكل منهم يلعب دورًا محوريًا في تطور المأساة. إليك أبرز هذه الشخصيات:
الملك لير
ملك بريطانيا العجوز، شخصية محورية تبدأ حكايته بقرار متهور بتقسيم مملكته على بناته بناءً على تملقهن. يمثل لير رمزًا للسلطة التي تنهار، والعمى الذي يصيب الحكم، والجنون الذي يلاحق الخيانة. رحلته من العظمة إلى الجنون ثم الندم هي جوهر المأساة.
كوردليا
الابنة الصغرى للملك لير، وتجسد الحب الحقيقي والصدق والنقاء. ترفض التملق لوالدها، مما يدفعه إلى حرمانها وطردها. على الرغم من ذلك، تظل وفية له حتى النهاية، وتعود لإنقاذه، مما يجعلها رمزًا للفداء والتضحية.
جونريل
ابنة لير الكبرى، وزوجة دوق ألباني. شخصية طموحة، قاسية، وماكرة. تتملق لوالدها في البداية لتنال نصيبها، ثم تظهر جحودها وقسوتها تجاهه فور حصولها على السلطة. تمثل الخيانة المطلقة والجشع.
ريجان
ابنة لير الوسطى، وزوجة دوق كورنوال. لا تقل قسوة ومكرًا عن أختها جونريل، بل تتجاوزها في بعض الأحيان. تتحد مع أختها لطرد والدها وإذلاله، وتشارك في تعذيب غلوستر. تمثل الوجه الآخر للخيانة والجشع.
إيرل غلوستر
صديق الملك لير المقرب، وشخصية تتوازى مأساتها مع مأساة لير. يمثل غلوستر نموذجًا للعمى البصيري، حيث يخدعه ابنه غير الشرعي إدموند بسهولة، مما يؤدي إلى حرمانه من ابنه الشرعي إدجار وإصابته بالعمى الجسدي. رحلته بعد فقدان بصره تكشف له حقائق لم يرها من قبل.
إدجار
الابن الشرعي لإيرل غلوستر، شخصية وفية، نبيلة، وشجاعة. يقع ضحية لمكائد أخيه إدموند، ويضطر للتخفي في هيئة متسول مجنون يدعى “توم المسكين”. يظل مخلصًا لوالده ويقوده بعد فقده لبصره، ويقاتل لاستعادة الشرف والعدالة.
إدموند
الابن غير الشرعي لإيرل غلوستر، وهو شخصية انتهازية، طموحة، وماكرة. يكره وضعه كابن غير شرعي ويسعى جاهدًا للاستيلاء على ثروة أبيه ومكانته، مستخدمًا الخداع والتلاعب ضد أخيه ووالده. يمثل الشر المتأصل والطموح الأعمى للسلطة.
دوق ألباني
زوج جونريل، شخصية تبدأ بالضعف والخضوع لزوجته، لكنه يتطور ليصبح أكثر وعيًا بالشر الذي يحيط به. يبدأ في إدراك فظاعة أفعال جونريل وريجان، ويحاول الوقوف في وجههما، مما يجعله رمزًا للضمير المتيقظ.
دوق كورنوال
زوج ريجان، وشخصية قاسية، عنيفة، ومتعطشة للسلطة. يشارك زوجته في إهانة الملك لير وتعذيب غلوستر بوحشية. يمثل القوة الغاشمة والظلم.
كينت
أحد نبلاء لير الأوفياء، يطرده الملك في بداية المسرحية بسبب دفاعه عن كوردليا. لكنه يعود متنكرًا في زي خادم يدعى “كايوس” ليظل بجانب لير ويرعاه في محنته. يمثل الولاء المطلق والشجاعة.
فول (المهرج)
مهرج الملك لير، شخصية تبدو بسيطة لكنها تحمل حكمة عميقة وبصيرة ثاقبة. يستخدم النكت والألغاز للتعبير عن حقائق مؤلمة وتقديم نصائح لير، وغالبًا ما يكون صوته هو صوت العقل وسط جنون الملك.
موضوعات مسرحية الملك لير
الملك لير“ ليست مجرد قصة عن ملك فقد مملكته، بل هي رحلة مؤلمة في أعماق النفس البشرية، تكشف هشاشة السلطة، وقسوة الخيانة، وقوة الحب الحقيقي، حتى في أحلك الظروف.
تتناول المسرحية مفهوم السلطة المطلقة وكيف يمكن لقرار واحد خاطئ من الحاكم أن يدمر مملكة وحياة الأفراد.
نرى كيف يتخلى لير عن سلطته بشكل متهور، مما يفتح الباب للفوضى والصراع، وكيف تتغير شخصيات من يتولون السلطة بعده.
تُظهر المسرحية الفرق الصارخ بين الحب الصادق وغير المشروط (كما جسدته كوردليا) والتملق الزائف والمصالح الشخصية (كما أظهرته جونريل وريجان).
يتوهّم لير أن الكلمات المنمقة تعكس حبًا حقيقيًا، ويكتشف لاحقًا أن الصدق هو الذي كان يحمل الحب الأصيل.
تُعد رحلة لير نحو الجنون من أبرز محاور المسرحية. تُظهر كيف يمكن للألم النفسي والخيانة أن تدفع الإنسان إلى فقدان عقله.
في جنونه، يرى لير حقائق لم يدركها وهو في كامل قواه، ويُظهر تعاطفًا مع الفقراء والمشردين. كما نرى تأثير الجنون على غلوستر عندما يُعمى.
المسرحية تطرح تساؤلات حول العدالة في العالم: هل هناك عدالة إلهية؟ وهل يتحمل البشر مسؤولية أفعالهم أم أن القدر يوجه مصائرهم؟ يرى بعض الشخصيات أن معاناتهم عقاب على ذنوبهم، بينما يرى آخرون أن العالم قاسٍ وغير عادل.
لا يقتصر العمى في المسرحية على العمى الجسدي لغلوستر، بل يشمل العمى المجازي للير الذي لم يرَ حقيقة بناته. عندما يُصاب غلوستر بالعمى الجسدي، يبدأ في “رؤية” الحقائق التي كان يغفل عنها عندما كان مبصرًا.
ملخص أحداث مسرحية الملك لير
تبدأ أحداث مسرحية في بلاط قصر الملك لير المترامي الأطراف، ملك بريطانيا المسن، بقرار خاطىء تنجم عنه مأساة مدوية.
يقرر الملك لير، وقد خارت قواه، التنازل عن عرشه وتوزيع مملكته على بناته الثلاث: جونريل، ريجان، وكوردليا.
يطلب لير من كل واحدة منهن أن تبوح بمدى حبها له، ليحدد نصيبها من الثروة والجاه.
جونريل وريجان، المرأتان الماكرتان، تبالغان في إظهار حبهما، تصفان مشاعرهما بكلمات معسولة وتعهدان بحب يتجاوز كل وصف، مما يغمر الملك لير بالسعادة، فيكافأهما بسخاء، مانحًا إياهما نصيبًا وافرًا من مملكته.
أما كوردليا، الابنة الصغرى التي تحمل الصدق والنقاء في قلبها، فترفض التملق.
تجيب ببساطة وصدق أن حبها لأبيها هو حب ابنة لأبيها، لا يزيد ولا ينقص عن واجبها. ه
ذا الجواب الصادق يثير غضب لير العارم، فيراه جحودًا، ويحرمها من ميراثها ويطردها من البلاط.
يتخلى عنها أمير بورغندي، خطيبها، لكن ملك فرنسا يقبل الزواج منها، معجبًا بصدقها ونبلها، ويرحل بها بعيدًا عن بلاط أبيها.
بداية السقوط
بعد أن قسم مملكته، يختار لير العيش بالتناوب بين قصري ابنتيه جونريل وريجان، مصطحبًا معه مئة من فرسانه الأوفياء.
لكن سرعان ما تكشف الابنتان عن وجهيهما الحقيقيين.
في قصرها، حيث تقيم مع زوجها دوق ألباني، تجد جونريل في وجود أبيها وحاشيته عبئًا لا يُطاق.
تبدأ في معاملة لير باحتقار، وتطلب منه تقليص عدد فرسانه، وتُهين حاشيته.
تصدم قسوة ابنته وجحودها الملك لير، فيشعر بمرارة لاذعة، ويغادر قصر جونريل متجهًا إلى قصر ابنته الثانية ريجان في اسكتلندا، آملًا أن تجد فيها وفاءً وعطفًا.
لكن ريجان وزوجها دوق كورنوال لا يقلان قسوة عن جونريل، بل يتجاوزانها في الجحود.
عند وصول لير، تتجاهله ريجان أولًا، ثم تتآمر مع أختها ضده، رافضة استقباله، بل وتأمر بإغلاق الأبواب في وجهه، وتُجبره على تخفيض عدد فرسانه إلى الصفر.
يشعر لير بصدمة وخذلان لا يوصفان، ويدرك حجم خطئه الفادح في تقدير بناته.
الجنون والعاصفة
تتوالى الضربات القاسية على لير، ويدفعه جحود ابنتيه إلى حافة الجنون.
يخرج الملك لير إلى العراء، ويواجه عاصفة هوجاء تعكس الاضطراب العاصف بروحه.
الملك المسن يتجول في جنون العاصفة، يرافقه مهرجه المخلص فول وكينت، الذي تنكر في زي خادم يدعى “كايوس” ليظل بقرب سيده بعد أن طرده لير سابقًا.
وسط هذا الاضطراب الطبيعي، يتأمل لير ضعف الإنسان أمام قوى الطبيعة، ويتعاطف مع المشردين والفقراء، مدركًا لأول مرة معاناتهم.
حالته العقلية تبدأ في التدهور السريع، ويهذي بكلمات تعبر عن يأسه وغضبه العارم.
مأساة غلوستر
تتوازى قصة لير مع قصة ثانوية لا تقل مأساوية، قصة إيرل غلوستر، صديق لير الوفي.
يقع غلوستر ضحية لمكائد ابنه غير الشرعي، إدموند.
هذا الأخير، الطموح والماكر، يكره أخيه الشرعي إدجار، ويطمع في الاستيلاء على ثروة أبيه.
يخدع إدموند أبيه برسائل مزورة توحي بأن إدجار يخطط لقتل غلوستر.
يصدق غلوستر أكاذيب إدموند، ويطرد إدجار من منزله، واعدًا إدموند بالخلافة.
يضطر إدجار إلى الهرب والتخفي في هيئة متسول مجنون يدعى “توم المسكين“.
لاحقًا، يكتشف دوق كورنوال، زوج ريجان، أن غلوستر يتعاطف مع لير ويتواصل سرًا مع ملك فرنسا (الذي أعد جيشًا لغزو بريطانيا وإنقاذ لير).
يقوم كورنوال وريجان بتعذيب غلوستر بوحشية، ويقتلعان عينيه انتقامًا منه.
يصبح غلوستر أعمى ومشرّدًا، ويلتقي بابنه إدجار المتنكر، الذي يقوده دون أن يعرف هويته، ويسعى إلى مساعدته.
صراع السلطة
بينما يشتد جنون لير وعمى غلوستر، تشتعل صراعات السلطة بين الأطراف الأخرى.
تنشأ علاقة عاطفية بين إدموند وكل من جونريل وريجان، مما يزيد من التوتر بين الأختين.
تتنافسان على حبه، وهذا التنافس يقودهما في النهاية إلى نهايتيهما المأساوية.
يصل الجيش الفرنسي بقيادة كوردليا إلى بريطانيا لإنقاذ أبيها.
تلتقي كوردليا بأبيها لير، وتعتني به بحنان ومحبة، ويبدأ لير في استعادة وعيه جزئيًا، ويشعر بالندم العميق على سوء معاملته لها.
تندلع معركة ضارية بين الجيش الفرنسي وقوات بريطانيا بقيادة إدموند ودوق ألباني.
ينتصر الجيش البريطاني، ويقع لير وكوردليا في الأسر. يأمر إدموند بإعدام كوردليا، وينفذ أمره بالفعل.
في الوقت نفسه، تنكشف مؤامرات إدموند. يتحدى إدجار أخاه إدموند في مبارزة، وينتصر عليه، كاشفًا عن هويته الحقيقية.
يتصالح إدجار مع أبيه غلوستر، لكن غلوستر يموت من شدة الفرح والحزن معًا.
الفداء الأخير
تنهار جونريل وريجان. تسمم جونريل أختها ريجان بدافع الغيرة، ثم تنتحر بعد أن يكشف زوجها دوق ألباني خيانتها.
يموت إدموند متأثرًا بجراحه، وقبل موته يعترف بجرائمه ويحاول التراجع عن أمر قتل كوردليا، لكن الأوان قد فات.
يعود لير وهو يحمل جسد ابنته كوردليا الميتة، وينهار من شدة الحزن.
يموت لير من كثرة الألم والندم، بعد أن فقد كل من أحبهم ووثق بهم.
تنتهي المسرحية بموت كل الشخصيات الرئيسية تقريبًا، تاركة وراءها مشهدًا من اليأس والحطام.
يتولى إدجار ودوق ألباني (أو كينت، حسب التفسير) الحكم بعد هذه الفاجعة، حاملين على عاتقهما مهمة إعادة بناء البلاد بعد هذا الدمار الشامل.