“الدولة اليهودية”: رؤية ثيودور هرتزل لتأسيس وطن قومي لليهود

في عام 1896، أصدر الصحفي والكاتب النمساوي ثيودور هرتزل كتيبه الشهير “الدولة اليهودية”، وهو العمل الذي أسس للحركة الصهيونية الحديثة.
يُعتبر هرتزل (1860-1904) رائد الفكر الصهيوني، حيث تحوّل من صحفي يهودي علماني إلى قائد سياسي،
بعد أن زعم بأن هناك تصاعد في معاداة السامية في أوروبا، خاصة أثناء محاكمة دريفوس في فرنسا.
كان هرتزل مقتنعًا بأن الحل الوحيد لمعاناة اليهود يكمن في إقامة دولة سيادية لهم.
كتيبه، الذي جاء في 63 صفحة، ليس مجرد رؤية نظرية، بل خارطة طريق عملية لتحقيق هذا الهدف،
مما جعله وثيقة تأسيسية في تاريخ الصهيونية.
ملخص كتيب الدولة اليهودية
في كتيبه “الدولة اليهودية”، يقدم ثيودور هرتزل رؤية جذرية لحل “القضية اليهودية” التي كانت تؤرق يهود أوروبا في القرن التاسع عشر.
يصف هرتزل معاناة اليهود الناتجة عن قرون من الاضطهاد، والمذابح، والقيود الاجتماعية والاقتصادية.
يوضح أن اليهود، سواء من الطبقة العليا التي عانت من استياء الحشود، أو الطبقة الدنيا التي عاشت في يأس،
أو الطبقة الوسطى التي فقدت الثقة في مهنها بسبب حملات مثل “لا تشترِ من اليهود”، واجهوا بيئة معادية جعلت اندماجهم في المجتمعات الأوروبية مستحيلاً.
يقول هرتزل: “القضية اليهودية قائمة أينما يعيش اليهود بأعداد كبيرة… نحن ننجذب إلى الأماكن التي لا نُضطهد فيها، لكن وجودنا هناك يثير الاضطهاد”.
حل سياسي
ويؤكد أن هذه الدائرة المفرغة لن تنتهي إلا بحل سياسي يتمثل في إقامة دولة يهودية ذات سيادة.
ويختتم الكتيب بدعوة ملهمة: “اليهود الذين يطمحون إلى دولة سيحظون بها… سنعيش أحرارًا على أرضنا ونموت بسلام في ديارنا، وسيحرر العالم بحريتنا ويغتني بثروتنا”.
اقترح هرتزل منطقتين محتملتين لإقامة هذه الدولة: الأرجنتين وفلسطين.
لكنه حذر من أن التسلل التدريجي للمهاجرين اليهود إلى أي منطقة دون تفويض قانوني سيؤدي إلى مقاومة السكان الأصليين، مما يستلزم تأمين موافقة رسمية من “أسياد الأرض الحاليين” تحت حماية قوة أوروبية.
ورغم فشل مفاوضاته مع السلطات العثمانية، مهد انهيار الإمبراطورية العثمانية وسيطرة بريطانيا على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى الطريق لتحقيق جزء من رؤيته، من خلال إصدار إعلان بلفور عام 1917، الذي دعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
عناصر مضافة
سياق معاداة السامية: تأثر هرتزل بشدة بمحاكمة دريفوس (1894)، التي كشفت عن عمق معاداة السامية في أوروبا، حتى في بلد متحضر كفرنسا.
هذا الحدث كان نقطة تحول دفعته لكتابة الكتيب.
- الطابع العملي للرؤية: لم يكتفِ هرتزل بالدعوة إلى دولة يهودية، بل اقترح هياكل تنظيمية مثل “الشركة اليهودية” لتمويل الهجرة و”الجمعية اليهودية” لتنظيم المجتمع الجديد.
- تأثير الكتيب: ألهم الكتيب تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897، التي قادها هرتزل لتحقيق حلمه عبر المؤتمرات الصهيونية.
- الجدل حول فلسطين: رغم تركيز هرتزل اللاحق على فلسطين، إلا أن اقتراحه الأرجنتين كبديل يعكس مرونته في البحث عن حل عملي، مع إدراكه للتحديات السياسية والاجتماعية في كلا الخيارين.
يبقى كتيب “الدولة اليهودية” وثيقة محورية في التاريخ الحديث، حيث شكّل أساسًا فكريًا وسياسيًا للحركة الصهيونية.
من خلال رؤيته الواقعية والملهمة للحالمين بانتزاع حقوق الغير.
فقد نجح هرتزل في تحويل حلم الدولة اليهودية إلى مشروع سياسي قابل للتحقيق بسبب دعم الدول الأوروبية لمشروعه،
رغم التحديات التي واجهها في حياته.
ينظر الصهاينة لهذا الكتيب على أنه ليس مجرد نص تاريخي، بل دعوة للتفكير في قضايا الهوية والسيادة والعدالة
التي لا تزال تتردد أصداؤها حتى اليوم.