سينما

“Blue Jasmine”..  قصة انهيار امرأة عقب خسارة الثروة والمكانة الاجتماعية

جاسمين الكئيبة” (Blue Jasmine) هو فيلم درامي كوميدي أمريكي صدر عام 2013، من تأليف وإخراج وودي آلن، يتناول قصة انهيار امرأة عقب خسارة الثروة والمكانة الاجتماعية.

الفيلم يُقدم دراسة شخصية عميقة ومؤلمة لامرأة تتهاوى حياتها بفعل أخطائها وسوء تقديراتها، وتنتقل من قمة الثراء والرفاهية في نيويورك إلى واقع قاسٍ وبسيط في سان فرانسيسكو.

فيلم جاسمين الكئيبة، (Blue Jasmine) يتناول قصة “جاسمين” التي تجسدها ببراعة الممثلة (كيت بلانشيت)، وهي سيدة مجتمع ثرية من مانهاتن اعتادت على حياة الرفاهية والترف.

لذلك فإن حياتها تنقلب رأسًا على عقب عندما تنهار ثروتها وتفلس بعد اكتشافها أن زوجها كان يمارس أعمالًا غير مشروعة واحتيالية، مما أدى إلى سجنه وانتحاره.

Blue Jasmine
الممثلة الاسترالية الحاصلة على الأوسكار كيت بلانشيت

شخصيات فيلم “Blue Jasmine”

يضم فيلم “Blue Jasmine” مجموعة مميزة من الشخصيات التي تُضفي عمقًا وتعقيدًا على القصة.

الشخصيات الرئيسية

ياسمين فرانسيس (جانيت) – كيت بلانشيت: هي الشخصية المحورية في الفيلم.

سيدة مجتمع ثرية في نيويورك، تعيش حياة مترفة مع زوجها رجل الأعمال “هال”.

لكن بعد انهيار ثروتها وسجن زوجها، تنهار نفسيًا وتنتقل للعيش مع أختها في سان فرانسيسكو.

تتميز بشخصيتها النرجسية، وهوسها بالمظاهر، وصعوبتها في التكيف مع واقعها الجديد.

أداء بلانشيت لهذه الشخصية كان استثنائيًا وحصدت عنه جائزة الأوسكار.

جينجر – سالي هوكينز: هي الأخت المتبناة لياسمين.

تعمل في سوبر ماركت وتعيش حياة بسيطة في سان فرانسيسكو.

على النقيض من جاسمين، جينجر عملية، طيبة القلب، وتحاول دائمًا مساعدة أختها رغم الفروقات الكبيرة بينهما.

هال فرانسيس – أليك بالدوين: زوج ياسمين السابق، رجل أعمال ثري كان يمارس الاحتيال المالي.

يظهر في الفيلم من خلال ذكريات ياسمين، ويمثل رمزًا للرفاهية التي فقدتها ياسمين والسبب الرئيسي وراء انهيار حياتها.

الشخصيات الثانوية المهمة

تشيلي – بوبي كانافال: صديق جينجر.

رجل بسيط وعامل، يحاول أن يكون سندًا لجينجر وأبنائها.

على الرغم من ذلك جاسمين لا تستسيغه وتنظر إليه بدونية، مما يخلق توترًا في العلاقة بين الأختين.

أوجي – أندرو دايس كلاي: الزوج السابق لجينجر.

 كان أحد ضحايا احتيال هال المالي، ولديه حقد كبير تجاه جاسمين وهال بسبب خسائره.

دوايت ويستليك – بيتر سارسجارد: دبلوماسي ثري تلتقيه ياسمين في سان فرانسيسكو وتحاول بناء علاقة معه كفرصة للعودة إلى حياة الرفاهية التي اعتادت عليها.

آل – لويس سي. كي.: مهندس صوت تلتقيه جينجر وتحاول بدء علاقة جديدة معه بعد نصيحة ياسمين لها بتحسين خياراتها في الرجال.

موضوعات فيلم “Blue Jasmine”

فيلم “Blue Jasmine” تناول عددًا من الموضوعات العميقة والمعقدة التي تُضفي عليه ثراءً دراميًا وفكريًا.

الانهيار الطبقي والاجتماعي

هذا هو الموضوع المحوري للفيلم.

 فجاسمين، التي كانت تعيش في قمة الرفاهية والترف كجزء من النخبة الاجتماعية في نيويورك، تجد نفسها فجأة بلا مال أو مكانة.

القصة تُظهر صراعها المرير مع هذا الانهيار، وكيف تؤثر خسارة الثروة والمكانة على هويتها ونفسيتها.

إنه تعليق على هشاشة الثراء المادي وكيف يمكن أن تتلاشى الهوية المرتبطة به بمجرد زوال المال.

الهوية والأوهام

جاسمين تتمسك بشدة بهويتها السابقة كسيدة مجتمع راقية، وترفض تقبل واقعها الجديد.

تعيش في عالم من الأوهام والإنكار، حيث تختلق قصصًا وتتظاهر بأنها لا تزال جزءًا من عالم الأثرياء.

يعكس هذا كيف يمكن أن تكون الهوية مبنية على عوامل خارجية (مثل الثروة والمكانة الاجتماعية) وعند فقدانها، تنهار الشخصية وتواجه أزمة هوية حادة.

Blue Jasmine
المخرج الأمريكي وودي آلن

الصحة النفسية والانهيار العصبي

فيلم (Blue Jasmine) يُقدم تصويرًا واقعيًا ومؤثرًا للانهيار العصبي الذي تمر به جاسمين. مع توالي الصدمات، تظهر عليها علامات القلق، الاكتئاب، الهلوسات، وصعوبة في التواصل الاجتماعي.

 يُبرز الفيلم كيف يمكن للضغوط النفسية الشديدة أن تؤثر على العقل والسلوك، وكيف يمكن أن يؤدي الماضي المثقل بالأعباء إلى عدم القدرة على المضي قدمًا.

الطبقات الاجتماعية المتناقضة

فيلم  (Blue Jasmine) يُبرز بحدة التناقض بين عالم ياسمين السابق (الطبقة العليا الثرية) وعالم أختها جينجر الحالي (الطبقة العاملة).

بالإضافة إلى ذلك فإن الفيلم يُظهر الفجوة الهائلة في القيم، التطلعات، وحتى طريقة الكلام بين هاتين الطبقتين.

ياسمين تظهر نظرة متعالية تجاه حياة جينجر وأصدقائها، مما يؤدي إلى صراعات وتوترات مستمرة.

الكذب والخداع

قضية الاحتيال المالي لزوج جاسمين هي المحرك الأساسي للقصة.

لكن الفيلم يتناول أيضًا الكذب على المستويات الشخصية، سواء من جانب ياسمين لنفسها وللآخرين للحفاظ على المظهر، أو الكذب الذي مارسه زوجها.

هذا الموضوع يسلط الضوء على تداعيات الخداع، سواء كان ماليًا أو شخصيًا.

العلاقات الأسرية المضطربة

العلاقة بين ياسمين وجينجر هي علاقة معقدة ومليئة بالحب والكراهية والغيرة.

على الرغم من أن جينجر تحاول مساعدة ياسمين، إلا أن ياسمين تستغل طيبة أختها وتنتقدها باستمرار.

والفيلم يُظهر كيف يمكن للعلاقات الأسرية أن تكون مصدرًا للدعم ولكن أيضًا للتوتر والأذى، خاصة عندما تتخللها فروقات اجتماعية وشخصية كبيرة.

ملخص أحداث فيلم  (Blue Jasmine)

تبدأ أحداث الفيلم بوصول جاسمين فرانسيس )كيت بلانشيت)، وهي سيدة مجتمع سابقة، إلى مطار سان فرانسيسكو.

ملامحها تحمل مزيجًا من الأناقة الباهتة والاضطراب النفسي الواضح.

تتحدث مع سيدة عجوز تجلس بجانبها في الطائرة، وتُقدم لمحة أولية عن حالتها: هي في طريقها للإقامة مع أختها غير الشقيقة، “جينجر”، بعد أن خسرت كل شيء.

السرد المتوازي، الذي يتنقل بين الحاضر والماضي للأحداث، يكشف تفاصيل حياة جاسمين السابقة في نيويورك.

كانت تُعرف باسم “جانيت” قبل زواجها من هال فرانسيس (أليك بالدوين)، رجل أعمال ثري وجذاب، ولكنه كان أيضًا محتالًا ماليًا.

حياتهما كانت عبارة عن دوامة من التفاخر والإعجاب بالنفس والترف المطلق: الحفلات الفاخرة، الملابس المصممة، الرحلات على اليخوت، والشقة الفخمة في مانهاتن.

جاسمين تعيش في فقاعة من الإنكار، متجاهلة أو غير مدركة تمامًا لمصادر ثروة زوجها غير المشروعة.

كل ما يهمها هو الحفاظ على واجهة مثالية لعلاقتها وحياتها.

حياتها قائمة على تزييف الحقائق، مُتظاهرة بأنها أفضل من الآخرين، ومُستعلية على أختها “جينجر” التي كانت تعيش حياة بسيطة في بروكلين.

العلاقة بين جاسمين وجينجر هي محور رئيسي في الفيلم.

جينجر (سالي هوكينز) هي النقيض التام لجاسمين؛ بسيطة، عملية، تعمل كأمينة صندوق في سوبر ماركت، ولديها طفلان من زواج سابق.

جاسمين دائما ما كانت تنظر إلى جينجر بتعالٍ دائم، وتعاملها بلطف زائف يخفي شعورًا بالتفوق.

كارثة جاسمين الكئيبة تقع عندما يتم القبض على هال بتهمة الاحتيال المالي.

تتهاوى حياة جاسمين بأكملها، حيث  يتم تجميد حساباتها المصرفية، وتُصادر ممتلكاتها، ويُسجن هال الذي ينتحر لاحقًا في السجن.

ابنها المتبني، داني، يُصبح رافضا لها ويترك الكلية ليعيش حياة مستقلة بعيدًا عنها، مُعتبرًا إياها شريكة في الكارثة بسبب صمتها وجهلها المتعمد.

في لحظة يأس شديدة، كانت جاسمين هي من أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي عن هال بعد اكتشافها لعلاقاته المتعددة، ورغبتها في الانتقام منه. هذا القرار، الذي كان بدافع الغيرة والغضب، أدى إلى تدمير حياتها بالكامل.

(Blue Jasmine) ولحظة مواجهة الحقيقة

تصل جاسمين إلى سان فرانسيسكو في حالة من الانهيار النفسي والعصبي.

تستقبلها جينجر بحفاوة وترحاب، رغم تاريخ علاقتهما المتوتر.

تنتقل جاسمين للعيش في شقة جينجر المتواضعة، وتجد صعوبة بالغة في التكيف مع نمط الحياة البسيط.

تشعر بالاشمئزاز من بساطة أثاث جينجر، ومن بيئتها الشعبية.

سلوكها الأناني والمتعجرف لم يتغير؛ فهي تستمر في توبيخ جينجر على خياراتها في الحياة، وتُقلل من شأن صديقي جينجر: شِلي (بوبي كانافال)، سائق الشاحنة الذي يُغازل جينجر، وال تاو )لويس سي. كي.)، زميل جينجر في العمل.

جاسمين تعاني من نوبات قلق متكررة، وتلجأ إلى شرب الفودكا وتناول أدوية مضادات الاكتئاب بكميات كبيرة.

تتحدث مع نفسها بصوت عالٍ، مستعادةً ذكريات ماضيها الذهبي، وتُحلل علاقاتها السابقة، وغالبًا ما تتجاهل الأشخاص من حولها.

إنها غير قادرة على قبول واقعها الجديد، وتُصر على العيش في ماضيها الخيالي.

 لذلك تُحاول جاسمين استعادة بعض من “كرامتها” المفقودة.

تبدأ في أخذ دروس في الحاسوب لتعمل كمُصممة ديكور داخلي، وهي المهنة التي كانت تزعم أنها تتقنها في نيويورك، رغم أنها لم تمارسها فعليًا.

تحصل على وظيفة بسيطة كأمينة استقبال في عيادة أسنان، ولكنها تجد صعوبة في التعامل مع المرضى والزملاء، وتُطرد في النهاية بعد أن يُحاول طبيب الأسنان التحرش بها وتُسيء هي فهم الموقف بطريقة درامية.

في هذه الأثناء، تُحاول جينجر المضي قدمًا في حياتها.

بعد فشل علاقتها مع شيلي، تلتقي بـ آل تاو، وهو رجل لطيف ومستقر، يبدو أنه يقدم لها الأمان الذي تفتقر إليه.

جاسمين، رغم أنها  تعتمد في العيش على كينجر، تستمر في التدخل في حياتها العاطفية، وتحاول إقناعها بأن آل تاو ليس مناسبًا لها، مما يُظهر أنانية جاسمين ورغبتها في التحكم بمن حولها.

Blue Jasmine
الممثلة العالمية كيت بلانشيت في دور جاسمين فرانسيس

أوهام متجددة

في الأفق تلوح فرصة جديدة لجاسمين عندما تلتقي بـ دوايت ويستليك (بيتر سارسجارد)، دبلوماسي ثري وجذاب، في إحدى الحفلات.

 تُقدم جاسمين نفسها كـ “مصممة ديكور داخلي” مُنقطعة عن العمل مؤقتًا، وتخفي عنه كل تفاصيل ماضيها المنهار، بما في ذلك زواجها السابق وعنوان سكنها مع أختها في حي متواضع.

سرعان ما ينجذب دوايت إليها بسرعة، ويرى فيها امرأة أنيقة وراقية تُناسب عالمه.

جاسمين تدرك أن دوايت  يمثل لها طوق نجاة، وفرصة لاستعادة حياتها القديمة.

تقتنع بأنها ستتزوجه وتعود إلى نيويورك لتعيش حياة مترفة.

في هذه المرحلة، تُصبح أوهام جاسمين أكثر قوة.

 في خيالها  أنها ستُصبح سيدة مجتمع مرة أخرى، وتتجاهل علامات التحذير الواضحة.

على سبيل المثال، عندما يُحاول دوايت مقابلة أختها جينجر، تُصر جاسمين على أن جينجر غير موجودة أو مشغولة، لأنها تشعر بالخجل من وضع أختها الاجتماعي البسيط الذي قد يُفسد صورتها أمام دوايت.

يُقرر دوايت تقديم عرض زواج لجاسمين، ويُخطط لشراء خاتم خطوبة.

في هذه اللحظة، تتصل بها زوجة هال السابقة، وتُخبرها عن مكان وجود داني، ابنها المتبنى.

 تُقرر جاسمين الذهاب لرؤية داني، لتجد أنه يعيش حياة بسيطة مع فتاة، وقد غير اسمه وبدأ يدرس الموسيقى.

داني يحاول أن يُفهمها أنه لا يريدها في حياته، وأنه لا يُريد أي علاقة بوالدته المدللة والمخادعة، مُلخصًا صدمته من معرفته بجرائم هال، وكيف أن جاسمين كانت تتغاضى عن كل شيء.

داني يكشف لها أيضًا أن هال لم يكن يخونها مع نساء عاديات، بل كان له علاقة مع جينجر نفسها، وذلك قبل سنوات طويلة.

الحقيقة القاسية

صدمة جاسمين من معرفة علاقة هال وجينجر، بالإضافة إلى رفض داني لها، تُدمر ما تبقى من قواها.

تتصل بجينجر وهي في حالة هستيرية وتُخبرها بالحقيقة عن علاقة هال القديمة معها.

هذه المعلومة تضرب جينجر بعمق، وتُسبب شقاقًا كبيرًا بين الأختين.

تتهم جينجر جاسمين بأنها دائمًا ما تُدمر كل شيء حولها، وتُذكرها بتعاليها الدائم.

تزداد حالة جاسمين سوءًا.

تُصبح غير قادرة على التعامل مع الواقع.

خلال موعدها مع دوايت، وأثناء قيامهما باختيار خاتم الخطوبة، تفقد جاسمين السيطرة على نفسها وتُخبره بالحقيقة المروعة عن حياتها السابقة، عن هال، عن سجنه، عن انتحاره، وعن تورطها في الإبلاغ عنه.

تنهار أمام دوايت، الذي يُصاب بالهلع من هذه المعلومات الصادمة.

 يُدرك دوايت أنها كانت تكذب عليه طوال الوقت، وأنها ليست المرأة التي تخيلها، فيُقرر الانسحاب من العلاقة على الفور، تاركًا جاسمين وحيدة مرة أخرى.

الوحدة والضياع

بعد هذه الكارثة، تُصبح جاسمين بلا مأوى.

 تُغادر شقة جينجر، التي لم تعد تستطيع تحمل وجودها بعد الكشف عن علاقة هال.

تُشاهد جاسمين في المشهد الأخير جالسة على مقعد في حديقة، تتحدث مع نفسها بصوت عالٍ عن ذكريات الماضي، وعن الحياة التي فقدتها.

 مظهرها يوحي بالتشرد والجنون البطيء.

 إنها لم تتعلم من أخطائها، ولم تواجه حقيقتها أبدًا.

هي مجرد ظل لامرأة كانت تعيش في وهم، وها هي الآن تائهة في عالم لا تُدركه ولا يُدركها.

في النهاية، يُقدم “بلو جاسمين” قصة مؤثرة عن الخداع الذاتي، التباهي، وعواقب العيش في فقاعة من الأكاذيب.

 إنه تحليل لاذع للطبقة الاجتماعية والعنصرية الضمنية، وكيف يمكن للمال أن يُفسد الروح ويُغطي على أبشع الحقائق.

 جاسمين هي شخصية مأساوية تُثير الشفقة أحيانًا، ولكنها تُثير الغضب في أحيان أخرى بسبب رفضها المستمر للاعتراف بأخطائها أو تحمل مسؤولية قراراتها.

 الفيلم ينتهي نهاية مفتوحة ومُحزنة، تُظهر أن جاسمين محكوم عليها بالضياع في متاهة أوهامها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى