مسرح

“مسرحية عطيل”: مأساة شكسبير الخالدة عن الصراع الطبقي والهوية

“مسرحية عطيل” إحدى روائع ويليام شكسبير الخالدة، التي تتجاوز قصة الغيرة والانتقام لتقدم دراسة عميقة للطبيعة البشرية.

مسرحية عطيل هي تجسيد  صراع طبقي وعرقي حاد، حيث يقف الجنرال عطيل، “الآخر” في مجتمع البندقية، في مواجهة مكائد ياغو الذي تغذيه الغيرة والحقد على امتيازات الطبقة العليا.

ينجح ياغو ببراعة في استخدام كلمات الخيانة لإشعال نيران الغيرة في قلب عطيل، مما يدفع الأخير إلى ارتكاب جريمة مأساوية ضد زوجته البريئة، ديسديمونا.

وهكذا، يصور شكسبير كيف يمكن للشك أن يفسد الثقة ويدمر الأفراد.

في السطور القادمة، نستعرض تحليلًا شاملاً للمسرحية وشخصياتها، مع ملخص لأحداثها.

شخصيات “عطيل” تجسّد الصراع الطبقي والعرقي

تُعد شخصيات مسرحية “عطيل” أداة شكسبير الرئيسية لتسليط الضوء على الصراع الطبقي والعرقي الذي كان سائدًا في عصره.

فـعطيل نفسه، القائد العسكري الذي حقق مكانته بفضل مهارته وشجاعته لا نسبه، يمثل “الدخيل” الذي صعد فوق طبقته.

 ورغم منصبه الرفيع، يظل دائمًا “الآخر” في عيون المجتمع الأرستقراطي الأبيض في البندقية.

في المقابل، تُجسد شخصية ياغو الحقد الطبقي المكبوت، فهو جندي من طبقة دنيا يرى أن الترقية التي مُنحت لكاسيو جاءت نتيجة لامتيازات طبقية لا استحقاق.

 دوافعه ليست مجرد غيرة شخصية، بل هي ثورة على نظام اجتماعي لم يُنصفه.

أما ديسديمونا، النبيلة التي تتزوج من عطيل، فهي تكسر الحدود الطبقية والعرقية لمجتمعها،

 لكن هذا الاختيار يجعلها هدفًا سهلًا للمؤامرات، حيث يُستغل زواجها من “غريب” كدليل على خيانتها.

بهذه الطريقة، يُظهر شكسبير أن الشخصيات ليست مجرد أفراد يتصارعون،

بل هي رموز لطبقات اجتماعية وقضايا عنصرية تُحرك كل أحداث المسرحية المأساوية.

مسرحية عطيل لشكسبير
الكاتب المسرحي البريطاني ويليام شكسبير

الشخصيات الرئيسية في مسرحية “عطيل

عطيل (Othello):

هو بطل المسرحية. جنرال مغربي في جيش مدينة البندقية. يتمتع بمهارات عسكرية استثنائية وشخصية محترمة.

سماته: قائد شجاع وموثوق، لكنه يفتقر إلى الحكمة في أمور العلاقات الإنسانية.

ياغو (Iago):

الخصم الرئيسي في المسرحية. ضابط في جيش عطيل.

سماته: يُعد ياغو تجسيدًا للشر النقي. هو شخصية ماكرة، حقودة، ومُتلاعبة.

ديسديمونا (Desdemona):

زوجة عطيل وابنة السيناتور برابانتيو.

سماتها: شخصية بريئة، عفيفة، ووفية. تتمتع بالشجاعة الكافية لرفض عائلتها والزواج من عطيل.

كاسيو (Cassio):

ملازم عطيل، والشخص الذي تم ترقيته بدلاً من ياغو.

سماته: ضابط شاب ووسيم وذو أخلاق حسنة.

شخصيات أخرى

إميليا (Emilia):

زوجة ياغو وخادمة ديسديمونا، وهي شخصية واقعية وبسيطة.

رغم أنها تساعد ياغو دون قصد في تنفيذ خطته، فإنها تُظهر شجاعة كبيرة في النهاية وتكشف عن حقيقة المؤامرة، مما يؤدي إلى مقتلها.

رودريغو (Roderigo):

نبيل ثري في البندقية يحب ديسديمونا، ويعمل كأداة بيد ياغو الذي يستغل أمواله ورغبته للانتقام.

 هو شخصية ساذجة وحمقاء.

برابانتيو (Brabantio):

والد ديسديمونا وسيناتور في البندقية.

يُمثل صوت الأرستقراطية البيضاء التي ترفض زواج ابنته من عطيل بسبب اختلاف العرق والطبقة الاجتماعية.

ملخص أحداث مسرحية “عطيل” للكاتب ويليام شكسبير

تبدأ أحداث مسرحية “عطيل”، التي كتبها الكاتب الإنجليزي الشهير ويليام شكسبير حوالي عام 1603، في مدينة البندقية،

التي كانت مركزًا للتجارة والمصارف.

في الساعات الأولى من الصباح، يتواجد رجلان: رودريغو، الشاب النبيل والخطيب السابق لديسديمونا، وياغو،

المسؤول العسكري الذي يزعم أن عطيل قد تجاوزه في الترقية.

زواج سري

يتوجه الاثنان إلى منزل السيناتور برابانتيو، والد ديسديمونا، لإخباره بهروب ابنته وزواجها السري من عطيل “المغربي”.

يغادر ياغو سريعًا، تاركًا رودريغو ليؤكد القصة، متظاهرًا بالصداقة والاهتمام. يلتقي ياغو لاحقًا بعطيل ليخبره برد فعل برابانتيو.

يظهر برابانتيو وعطيل وديسديمونا أمام دوق البندقية.

وعلى الرغم من أن برابانتيو يتهم عطيل بإغواء ابنته بالسحر، يوضح عطيل أنه فاز بقلب ديسديمونا من خلال قصصه عن مغامراته.

بعد استدعاء ديسديمونا للشهادة، أقنعت أعضاء مجلس الشيوخ بأنها تزوجت من عطيل بإرادتها الحرة ومن أجل الحب.

يعيّن الدوق عطيل قائدًا لقوات الدفاع ضد الأتراك، مما يستوجب عليه المغادرة إلى قبرص فورًا.

تطلب ديسديمونا الإذن بمرافقته، ويوافق الدوق.

يرتب عطيل أن تتبعه ديسديمونا لاحقًا في سفينة أخرى برفقة ياغو، الذي يعتقد عطيل أنه صديق موثوق به، ورفقة زوجة ياغو إيميليا.

في هذه الأثناء، يقنع ياغو رودريغو بأن ديسديمونا ستمل من عطيل قريبًا، ويحثه على مرافقتها إلى قبرص.

 أما هو، فيقرر استغلال كاسيو، الرجل الذي يكرهه بشدة والذي حصل على الترقية التي كان يريدها، كأداة لتدمير عطيل.

حبكة الانتقام في قبرص

في قبرص، يتآمر ياغو ضد عطيل، ويزرع بذور الشك حول إخلاص ديسديمونا، ويُورط كاسيو كحبيب لها.

 يستخدم ياغو رودريغو لإشعال معركة تؤدي في النهاية إلى خفض رتبة كاسيو. يعتقد ياغو أن فرص إعادة كاسيو إلى منصبه ستكون أفضل إذا ما جعل ديسديمونا تترافع عن قضيته أمام زوجها.

يرتب كاسيو لقاءً خاصًا مع ديسديمونا، التي وعدت بالتحدث نيابة عنه إلى عطيل حتى يتحقق صلحها معه.

عندما يغادر كاسيو، يظهر ياغو وعطيل.

يلاحظ عطيل رحيل كاسيو السريع، وينتهز ياغو الفرصة على الفور ليُشير إلى أن كاسيو يبدو وكأنه يحاول التهرب من الموقف.

 تبدأ ديسديمونا على الفور وبحماس في التوسل إلى عطيل ليعفو عن كاسيو، مؤكدة أنها لن تتوقف حتى يوافق.

في اللحظة التي تغادر فيها ديسديمونا وإميليا، يبدأ ياغو في زرع بذور الشك والريبة في ذهن عطيل، الذي يعاني من عدم اليقين والقلق.

يطلب عطيل لاحقًا من ياغو بعض الأدلة على أن ديسديمونا غير مخلصة.

يستخدم ياغو منديلًا أسقطته ديسديمونا ببراءة ليقنع عطيل بخيانتها، ثم يُجري محادثة مع كاسيو البريء، مما يزيد من قسوة قلب عطيل.

النهاية المأساوية

وبسبب اقتناعه بخيانة زوجته وشعوره بالغضب والحزن، يندفع عطيل إلى الانتقام ويعقد اتفاقًا مع ياغو بأن يقتل عطيل ديسديمونا

بينما يتخلص ياغو من كاسيو.

تستمر ديسديمونا في الوفاء بوعدها لكاسيو بالدفاع عنه، مؤكدة لعطيل خيانتها له دون قصد.

يتهمها عطيل بأنها مخادعة، وديسديمونا، التي لا تعرف ما فعلته من إساءة، لا يمكنها إلا أن تؤكد له أنها تحبه.

 في هذه الأثناء، يتخلى رودريغو الساذج عن كل أمل في ديسديمونا، لكن ياغو يحثه على قتل كاسيو. وفي وقت متأخر من تلك الليلة،

يهاجم رودريغو كاسيو في الشارع، ولكن كاسيو هو من يُصيبه.

يندفع ياغو ويطعن كاسيو في ساقه.

عندما يسمع عطيل صرخات كاسيو، يعتقد أن نصف عملية الانتقام قد اكتملت، فيسارع إلى تنفيذ تعهده. تكون ديسديمونا في السرير عندما يدخل عطيل، فيخنقها بالوسادة بعد أن تتوسل إليه أن يتركها تعيش.

عند اكتشافها الحيلة، تدق إميليا، خادمة ديسديمونا وزوجة ياغو، ناقوس الخطر وتعلن أن ياغو كاذب.

وعندما ترفض الصمت، يطعنها ياغو. يؤكد كاسيو الجريح قصة إميليا، في حين يدرك عطيل أنه ارتكب خطأ فادحًا.

في النهاية،يتصرف عطيل بروح الشرف، ويطلب أن يتذكره الناس على أنه الشخص الذي لم يحب بحكمة،

ولكنه أحب “بشكل جيد للغاية”، ثم يطعن نفسه ويسقط على السرير بجانب زوجته ويموت.

تحليل مسرحية “عطيل” (Othello)

تُعد مسرحية “عطيل”، التي كتبها ويليام شكسبير في بداية القرن السابع عشر، واحدة من أعظم مآسيه،

ليس فقط لعمقها النفسي، بل لقدرتها على استكشاف قضايا معقدة مثل الغيرة، والحسد، والعنصرية، والطبقة الاجتماعية.

على الرغم من أن المسرحية تدور حول خيانة زوجية، إلا أن تحليلها يكشف عن طبقات أعمق من الصراع الإنساني.

الغيرة كقوة تدميرية

الغيرة هي المحور الرئيسي الذي تدور حوله المسرحية.

 يصور شكسبير كيف يمكن لهذا الشعور أن يُحوّل شخصًا شجاعًا وحكيمًا مثل عطيل إلى قاتل وحشي.

لا تنبع غيرة عطيل من أدلة حقيقية، بل من كلمات ماكرة يهمس بها ياغو.

وهذا يُظهر أن الغيرة ليست مجرد رد فعل على الخيانة، بل هي حالة نفسية يمكن تضخيمها وتغذيتها بالكذب،

 مما يُفقد العقل قدرته على التمييز بين الحقيقة والوهم.

 ياغو: تجسيد للشر المطلق

شخصية ياغو هي قلب المسرحية المظلم. يُمثل ياغو الشر الذي لا يحتاج إلى مبرر مقنع؛ فدوافعه،

سواء كانت الغيرة من ترقية كاسيو أو مجرد كرهه لعطيل، تبدو غير كافية لحجم مكائده.

 يُعد ياغو “المتلاعب” بامتياز، فهو لا يستخدم القوة، بل يستخدم الكلمات والشكوك ليُدمر حياة الآخرين.

شخصيته تثير تساؤلاً فلسفيًا: هل الشر يمكن أن يكون موجودًا لمجرد أن الشخص يختار أن يكون شريرًا، دون أي سبب منطقي؟

 قضايا العرق والطبقة الاجتماعية

يستخدم شكسبير شخصية عطيل، القائد العسكري “المغربي” في مجتمع البندقية الأبيض، لاستكشاف قضايا العرق والطبقة.

رغم مكانته العسكرية الرفيعة، يُنظر إلى عطيل دائمًا على أنه “الآخر” أو “الغريب”.

يتم استخدام هذا الاختلاف في اللون والعرق من قبل ياغو وبرابانتيو لإضعاف مكانته وتبرير الشكوك حوله.

هذا يجعل المسرحية ليست فقط عن الغيرة، بل عن كيف يمكن للعنصرية أن تجعل الفرد أكثر عرضة للوقوع ضحية للشكوك والمؤامرات.

ديسديمونا: البراءة كضحية

تُمثل ديسديمونا البراءة النقية والوفاء، ولكن هذه الصفات نفسها تُصبح سبب نهايتها المأساوية.

فهي لا تستطيع فهم الشر الذي يكمن في ياغو، ولا تتخيل أن زوجها يمكن أن يصدق الشائعات الكاذبة.

موت ديسديمونا ليس فقط نتيجة لغيرة عطيل، بل هو نتيجة مباشرة للطبيعة الساذجة للخير في مواجهة الشر المطلق.

رسالة المسرحية

“عطيل” ليست مجرد قصة عن الغيرة، بل هي دراسة عميقة للطبيعة البشرية.

 تُظهر المسرحية أن الكلمات يمكن أن تكون أقوى من السيوف، وأن الشعور بالدونية أو الحسد يمكن أن يُفسد الروح.

كما أنها تُسلط الضوء على هشاشة الثقة، وكيف يمكن أن تنهار العلاقات الإنسانية عندما يتسلل إليها الشك،

سواء كان ذلك بسبب عوامل داخلية أو خارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى