“قبضة التنين”: الصين تحكم الاقتصاد العالمي بالمعادن النادرة والسيارات الكهربائية

تفرض الصين سيطرتها على الإمدادات العالمية للعديد من المعادن النادرة، وفي الوقت نفسه، تسعى جاهدة لإحكام قبضتها على صناعة السيارات الكهربائية.
هذا القطاع يمثل نقطة تحول حاسمة في عالم السيارات، وقد نجحت بكين بذكاء في الجمع بين التفوق التقني والأسعار التنافسية،
إلى جانب التحكم المطلق في سلاسل إمداد المعادن النادرة، التي تُعد عصب هذه الصناعة الحديثة.
هذا الموقف المزدوج يضع الشركات الغربية في مأزق حقيقي.
فهي لا تستطيع مجاراة الإنتاج الصيني الضخم، كما أنها تعتمد بشكل كبير على الإمدادات الصينية من المواد الخام،
مما يجعلها عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية.
هذا الاعتماد يمنح الصين نفوذاً استراتيجياً هائلاً يمكن أن يعيد رسم خريطة القوى في صناعة لطالما كانت حكراً على الغرب،
لتصبح الصين في نهاية المطاف سيدة العالم اقتصادياً.
قيود على الصادرات
خلال الفترة الأخيرة، بدأت الصين في فرض قيود على صادراتها من المعادن النادرة ببطء،
قبل أن تتسارع وتيرة هذه القيود بشكل كبير في أبريل 2024، عندما قطعت الصين بشكل شبه كامل الوصول إلى العديد من المواد الأساسية في إطار نزاعها التجاري مع الولايات المتحدة.
المعادن النادرة: عصب الصناعة
في قلب هذه الأزمة تكمن فئة من المعادن تسمى “العناصر الأرضية النادرة“.
تُستخدم هذه العناصر في مجموعة واسعة من المنتجات، من الطائرات والإلكترونيات إلى المعدات الرياضية.
وقد أثر هذا الانقطاع بشدة على قطاعات حيوية مثل الدفاع، أشباه الموصلات، السيارات، والصناعات الطبية.
في غضون ثلاثة أسابيع فقط من فرض الحظر، ارتفعت أسعار هذه المعادن بنسبة 40%، مما أضر بشكل خاص بصناعة السيارات.
وقد توقفت عدة مصانع سيارات في أوروبا عن العمل، كما أوقفت شركة فورد إنتاج سيارتها “إكسبلورر” في مصنع شيكاغو خلال شهر مايو.
لماذا هي ضرورية للسيارات؟
على الرغم من أن كمية المعادن النادرة في السيارة الواحدة لا تتجاوز 4 أرطال، وقيمتها تتراوح بين 50 و200 دولار، إلا أنها لا غنى عنها.
فبدونها، لا يمكن تصنيع السيارة. فهي تدخل في صناعة كل شيء من أجهزة الاستشعار وأنظمة تنقية العوادم إلى المحركات الكهربائية الصغيرة ومكبرات الصوت.
كما أنها ضرورية بشكل خاص في صناعة المغناطيس القوي والمتين المستخدم في محركات السيارات الكهربائية.

تاريخ الهيمنة الصينية
كانت الولايات المتحدة رائدة في إنتاج المعادن النادرة حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي.
لكن بعد إغلاق مكتب المناجم الأمريكي عام 1996، بدأت الصين في الهيمنة على هذه الصناعة.
على الرغم من أن العديد من دول العالم تمتلك مناجم للمعادن النادرة، إلا أن الصين تهيمن بشكل كامل على عملية المعالجة،
أي فصل هذه العناصر عن المعادن الأخرى، وخاصة المعادن الثقيلة التي تعتبر أكثر ندرة.
سلاح تجاري
في عام 2010، قطعت الصين إمدادات المعادن النادرة عن اليابان بعد حادثة تصادم بحرية،
مما كشف عن قدرة الصين على استخدام هذه المعادن كسلاح تجاري.
ومنذ عام 2023، كثفت الصين من قيودها على صادرات المعادن الحيوية، بما في ذلك حظر تصدير التكنولوجيا والمعدات المستخدمة في معالجتها.
ردود الفعل والحلول الممكنة
بعد الصدمة التي أصابت قطاع السيارات في أبريل 2024، أشارت الصين في يونيو إلى استعدادها لتخفيف القيود، مما منح الشركات بعض الوقت.
لكن الخبراء يرون أن هذا الحل مؤقت، خاصة وأن التراخيص الجديدة التي منحتها الحكومة الصينية لبعض الموردين تنتهي صلاحيتها خلال ستة أشهر.
في مواجهة هذه الأزمة، تبحث الصناعات العالمية عن حلول طويلة المدى لتقليل الاعتماد على الصين:
- بناء سلاسل توريد بديلة: تستثمر الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج المعادن النادرة، مئات الملايين من الدولارات لبناء قدرات معالجة داخلية.
- التعاون مع دول أخرى: تبحث الولايات المتحدة عن شركاء آخرين مثل أستراليا والمملكة العربية السعودية، اللتين تمتلكان احتياطيات كبيرة من هذه المعادن.
- إعادة التدوير والابتكار: تستثمر بعض الشركات في تقنيات لاستخراج المعادن النادرة من المنتجات المعاد تدويرها.
كما تعمل شركات أخرى على تطوير مغناطيسات لا تحتوي على هذه المعادن إطلاقاً، مثل شركة Niron Magnetics التي تصنع مغناطيسات من الحديد والنيتروجين،
وهي مواد متوفرة بكثرة. ومع ذلك، يظل الطريق صعباً؛ فبناء منجم جديد يستغرق سنوات طويلة،
كما أن الصين يمكنها إغراق السوق بمنتجات رخيصة، مما يجعل الاستثمار في الإنتاج الغربي أمراً صعباً.
الصين: من سيطرة على المعادن إلى هيمنة على صناعة السيارات
تعد صناعة السيارات واحدة من أكثر القطاعات حيوية وتأثيراً في الاقتصاد العالمي،
وقد ظلت لفترة طويلة حكراً على دول غربية مثل ألمانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى اليابان.
لكن المشهد يتغير بسرعة، وتبرز الصين كقوة عظمى جديدة، لا تكتفي فقط بمنافسة هذه الدول،
بل تسعى للسيطرة على مستقبل الصناعة بأكمله من خلال استراتيجية محكمة تبدأ من باطن الأرض.
المعادن النادرة: ورقة الصين الرابحة
تعتبر العناصر الأرضية النادرة، التي تشكل عصب صناعة السيارات الكهربائية، ورقة الصين الرابحة.
فمنذ عقود، استثمرت الصين في تطوير تقنيات استخراج ومعالجة هذه المعادن، حتى أصبحت تسيطر على غالبية سلاسل الإمداد العالمية.
تُستخدم هذه المعادن بشكل أساسي في صناعة المغناطيسات عالية الكفاءة التي تعد المكون الأساسي لمحركات السيارات الكهربائية.
وبفضل هيمنتها على هذه المعادن، تستطيع الصين التحكم في أسعارها وتوافرها،
مما يمنحها نفوذاً استراتيجياً لا يضاهى على شركات السيارات العالمية.
السيارات الكهربائية: المستقبل الذي تصنعه الصين
يمثل التحول نحو السيارات الكهربائية نقطة تحول كبرى في صناعة السيارات، وهو ما أدركته الصين مبكراً.
ففي الوقت الذي كانت فيه الشركات الغربية مترددة، استثمرت الصين بقوة في البحث والتطوير،
مما سمح لشركاتها بتقديم سيارات كهربائية بأسعار تنافسية وجودة عالية.
هذا التفوق التقني والسعري، إلى جانب السيطرة على المعادن النادرة، يضع الشركات الغربية في موقف صعب.
فهي لا تستطيع مجاراة الإنتاج الصيني الضخم،
كما أنها تعتمد بشكل كبير على الإمدادات الصينية من المواد الخام، مما يجعلها عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية.
الكلمة العليا للصين في صناعة الغد
إن هيمنة الصين المزدوجة على المعادن النادرة وسوق السيارات الكهربائية تضمن لها أن تكون “سيدة” هذه الصناعة الاستراتيجية.
لم يعد التنافس مقتصراً على خطوط الإنتاج أو التصميم، بل أصبح معركة للسيطرة على الموارد الأساسية.
وفي ظل عدم قدرة الدول الغربية على بناء سلاسل إمداد بديلة بسرعة، تضمن الصين لنفسها أن يكون لها الكلمة العليا،
وتثبت أن الطريق إلى مستقبل صناعة السيارات يمر عبر بكين.