كتب

كتاب “الجيل القلق”.. كيف تُدمر الهواتف الذكية الصحة العقلية لأطفالنا؟

في كتابه المثير للجدل والبالغ الأهمية، “الجيل القلق”: كيف دمرت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي صحة أطفالنا العقلية

(The Anxious Generation: How the Great Rewiring of Childhood Is Causing an Epidemic of Mental Illness)،

يقدم عالم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت تحليلًا عميقًا ومفزعًا للارتفاع الهائل

في أمراض الصحة العقلية بين الأطفال والمراهقين في العقود الأخيرة.

ويعزي ذلك بشكل مباشر للانتشار الواسع للهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي.

هذا الكتاب الذي أصبح ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة  ليس مجرد تحذير،

بل هو دعوة صريحة للعمل لوقف هذا التدهور الذي يصفه هايدت بأنه أزمة صحة عامة وفي هذه السطور ملخص للكتاب.

يبدأ هايدت في كتاب الجيل القلق بتسليط الضوء على الإحصائيات الصادمة لمشكلة الهواتف الذكية والأطفال،

والتي تظهر تزايدًا غير مسبوق

في معدلات القلق، الاكتئاب، إيذاء الذات، وحتى الانتحار بين المراهقين،

خاصة الفتيات، في الدول الغربية الناطقة بالإنجليزية، وتليها دول أخرى حول العالم.

الجيل القلق
عالم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت

يرى هايدت أن هذا الارتفاع حدث فجأة، بالتزامن مع انتشار الهواتف الذكية  في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتحول مواقع التواصل الاجتماعي من منصات قائمة على الويب إلى تطبيقات محمولة على الهواتف.

هذا التوقيت، كما يجادل، لا يمكن أن يكون مجرد صدفة.

يقترح هايدت ما يسميه “النظرية الكبرى لإعادة التوصيل في مرحلة الطفولة ” (The Great Rewiring of Childhood)،

والتي تفترض أن هناك تحولًا كبيرًا قد حدث في كيفية قضاء الأطفال والمراهقين لوقتهم، وهو ما غير تطورهم النفسي.

هايدت يفرق بين نموذجين للطفولة:

الطفولة القائمة على اللعب (Play-based Childhood)

كانت هذه هي الطريقة التقليدية التي ينمو بها الأطفال، حيث يقضون وقتًا طويلًا في اللعب الحر غير المنظم خارج المنزل،

وبدون إشراف مباشر من البالغين.

وهذا النوع من اللعب يعلم الأطفال مهارات اجتماعية حيوية، مثل التفاوض،

حل النزاعات، إدارة المخاطر، بناء العلاقات، وتطوير شعور قوي بالاستقلالية والكفاءة الذاتية.

الطفولة القائمة على الهاتف (Phone-based Childhood)

هذا هو النموذج السائد الآن، حيث يقضي الأطفال والمراهقون ساعات طويلة متصلين بالإنترنت عبر هواتفهم الذكية،

يتفاعلون مع بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستهلكون المحتوى الرقمي.

هذا التحول قد أدى إلى “حرمان الطفل من اللعب” وإلى “حرمان اجتماعي” حقيقي، مما يعيق التطور الطبيعي لمهارات التكيف والمرونة.

أضرار الهواتف الذكية للأطفال:

يتعمق كتاب الجيل القلق في الآليات النفسية والاجتماعية، التي من خلالها تلحق الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي

الضرر بالأطفال من خلال أمور عدة.

الحرمان من اللعب والاستكشاف:

عندما يقضي الأطفال وقتًا أقل في اللعب الحر خارج المنزل، فإنهم يفقدون فرصًا حيوية لتطوير الاستقلالية،

مواجهة التحديات، وتعلم كيفية التعامل مع الفشل والإحباط.

هذا يؤدي إلى جيل أقل مرونة وأكثر عرضة للقلق.

الحرمان الاجتماعي وتآكل العلاقات الواقعية:

التفاعلات عبر الإنترنت، على الرغم من أنها تبدو اجتماعية، إلا أنها تفتقر إلى العمق والغنى النفسي للتفاعلات وجهًا لوجه،

وهي من أهم أضرار الهواتف الذكية للأطفال .

المراهقون يقضون وقتًا أقل في التجمعات الاجتماعية الحقيقية،

مما يقلل من قدرتهم على قراءة الإشارات غير اللفظية، بناء الثقة، وتطوير التعاطف الحقيقي.

كما أن طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي، التي تركز على المظاهر المثالية والمقارنات الاجتماعية،

تزيد من مشاعر النقص والقلق حول الصورة الذاتية.

الإدمان والآليات السلوكية:

منصات التواصل الاجتماعي ذات تصميم يجعلها جذابة وإدمانية،

باستخدام آليات مثل الإشعارات المستمرة، المكافآت المتقطعة (الإعجابات والتعليقات)، ومحتوى لا نهائي للحفاظ على انخراط المستخدمين.

هذا يؤثر على أنماط النوم، القدرة على التركيز، ويخلق دوامة من البحث عن التحقق الخارجي.

التأثير على الدماغ النامي:

يوضح هايدت أن أدمغة المراهقين لا تزال في طور النمو،

خاصة مناطق الفص الجبهي المسؤولة عن التفكير العقلاني، اتخاذ القرار، وتنظيم العواطف.

التعرض المستمر للمنبهات الرقمية والتفاعلات السطحية يمكن أن يعطل هذا التطور الحرج،

مما يجعل المراهقين أكثر عرضة للاندفاعية وتقلب المزاج ما يفسر السلوك العدواني عند الأطفال وبطىء النمو العقلي للأطفال .

الخوف من الضياع (FOMO) والتأثيرات السلبية للمقارنة:

يجد المراهقون أنفسهم محاصرين في دورة لا نهاية لها من مقارنة حياتهم بحياة الآخرين “المثالية” على وسائل التواصل الاجتماعي،

مما يؤدي إلى زيادة القلق والاكتئاب والشعور بالوحدة، ما يؤثر على النمو الاجتماعي للأطفال.

في النهاية يقترح هايدت في كتابه الجيل القلق حلولًا جريئة وواضحة، موجهة للآباء، المدارس، والمشرعين:

تأخير سن الهواتف الذكية:

يدعو إلى تأخير إعطاء الأطفال هواتف ذكية إلى ما بعد المرحلة الإعدادية،

ويفضل أن يكون ذلك في سن 14-16 عامًا، عندما يكون الدماغ أكثر نضجًا وقدرة على التعامل مع التحديات الرقمية.

منع وسائل التواصل الاجتماعي قبل 16 عامًا:

يقترح تطبيق قيود قانونية على العمر الأدنى لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي،

بحيث لا يُسمح بها قبل سن 16 عامًا على الأقل.

إعادة الحياة القائمة على اللعب إلى المدارس والمجتمعات:

تشجيع المدارس والبلديات على توفير مساحات آمنة ووقتًا أطول للعب الحر غير المنظم للأطفال.

الهواتف الخالية من الشاشات في الفصول الدراسية:

حظر الهواتف الذكية تمامًا في الفصول الدراسية والسماح بالهواتف الأساسية فقط للتواصل الضروري.

يؤكد هايدت على أن هذه المشكلة تتطلب استجابة جماعية، وليست مجرد مسؤولية فردية للآباء.

كما أن الحل يكمن في “إعادة هندسة” بيئة الطفولة لجعلها أكثر صحة نفسيًا،

تمامًا كما تم “إعادة هندسة” البيئات المادية في الماضي لتكون أكثر أمانًا جسديًا (مثل تقليل الرصاص في البنزين أو حظر التدخين في الأماكن العامة).

باختصار، الجيل القلق هو نداء استيقاظ قوي للآباء، المعلمين، وصناع القرار لتجنب مشكلة إدمان الهواتف الذكية.

إنه ليس مجرد كتاب عن التكنولوجيا، بل هو عن طبيعة الطفولة نفسها،

ويجادل بأننا فقدنا مسارًا حاسمًا في تنشئة أطفالنا، وأن العواقب مدمرة.

كما يدعو هايدت إلى التخلي عن الأساليب الفردية في التعامل مع هذه الأزمة وتبني نهج مجتمعي واسع؛

لإعادة بناء “الطفولة الطبيعية” التي تضمن نموًا صحيًا وسليمًا بعيدا عن تأثير الهواتف الذكية على الأطفال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى