قصة أصحاب الكهف.. حين اعتزل أهل الإيمان مدينة الكفر والطغيان

قصة أصحاب الكهف هي قصة قرآنية تروي حكاية مجموعة من الفتية المؤمنين الذين عاشوا في مدينة وثنية يحكمها ملك ظالم.
وفق القصة التي ورت في القرآن الكريم،آمن هؤلاء الفتية بالله الواحد الأحد ورفضوا عبادة الأصنام،
ففروا بدينهم ولجأوا إلى كهف في الجبل.
جسدت هذه القصة في الدراما العربية والعالمية كثيرا .
ويعتبر المسلسل الإيراني التاريخي، قصة أصحاب الكهب ، والذي أنتج عام 1999 من أبرز الأعمال الدرامية التي تناولت هذه القصة.
فمن هم هؤلاء الفتية المؤمنون أصحاب الكهف ؟ ولماذا اختارهم الله سبحانه وتعالى دون غيرهم؟ وماذا حل بهم بعد أن علم أهل القرية بما حدث معهم؟
كل ذلك سنتعرف عليه في ملخص قصة أصحاب الكهف في هذه السطور.
قصة أصحاب الكهف والرقيم في القرآن
كان سبب نزول قصة أصحاب الكهف أن قريشًا بعثوا إلى اليهود يسألونهم عن أشياء يمتحنون بها رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، ليختبروا صدق نبوته.
فقالوا لهم: اسألوه عن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدرى ما صنعوا، وعن رجل طواف في الأرض، وعن الروح.
فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ)، وقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ)، وقال عز وجل: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا).
أما قصة أصحاب الكهف فهي عن مجموعة من الفتية الذي كانوا يقطنون إحدى المدن أو القرى وكان حاكم هذه المدينة رجلًا كافرًا ظالمًا اسمه دقيانوس.
كان دقيانوس يأمر الناس بعبادة الأصنام، وأن يذبحوا ويقدموا لها القرابين.
و إذا رأى أحدًا يعبد الله جل وعلا ولا يعبد الأصنام، يعذبه عذابًا شديدًا، لدرجة أنه كان إذا رأى رجلًا مؤمنًا، كان يضعه في السجن ويطلق عليه أسدًا جائعًا ليأكله.
وفي يوم من الأيام، خرج أهل هذه المدينة في عيد من أعيادهم، وانضم هؤلاء الفتية إليهم، ونظروا إلى قومهم وهم يسجدون ويذبحون الذبائح ويقدمونها كقرابين للأصنام.
فألقى الله عز وجل نور الإيمان في قلوب هؤلاء الفتية، والذين كانوا ينتمون إلى عائلات من سادة قومهم.
فتركوا قومهم في هذا العيد واعتزلوهم.
كيف تجمع أصحاب الكهف على الإيمان ؟
ذهب أول واحد من أصحاب الكهف وجلس بعيدًا تحت ظل شجرة، ثم أتاه الثاني فالثالث، إلى أن تجمعوا كلهم، وكان كل واحد منهم يكتم إيمانه خوفًا من أصحابه، حتى لا يخبر أحدهم هذا الملك الظالم، فيجعله طعامًا للأسود.
وفجأة قام واحد منهم وقال: تعلمون والله ما أخرجكم من قومكم إلى هذا المكان إلا شيء ما في صدوركم، فتعالوا نتصارح فيما بيننا.
فقال الثاني: والله إني لأشعر أن قومنا على الباطل، فكيف نعبد أصنامًا لا تنفع ولا تضر، مع أن الذي يستحق أن نعبده وحده هو الله خالق السماوات والأرض وما بينهما.
فقال كل واحد منهم: وأنا أوافقك على هذا الرأي.
فتصارحوا وأعلنوا إيمانهم فيما بينهم، وصاروا يدًا واحدة، وأصبحوا إخوانًا متحابين في الله جل وعلا.
وروي أنهم اتخذوا لأنفسهم معبدًا يعبدون فيه الله عز وجل بعيدًا عن قومهم.
ولكن بعد فترة وجيزة عرف قومهم ما أخفوه من الإيمان بالله جل وعلا، فأخبروا ملك قريتهم.
فلما علم الملك بإيمان هؤلاء الشباب، أرسل إليهم فجاءوا إليه وهم يخشون أن يفعل بهم كما فعل بمن سبقهم ، بأن جعلهم طعامًا للأسود،
ولكن الله عز وجل ثبتهم وربط على قلوبهم لينطقوا بكلمة الحق أمام هذا الطاغية،
كما دعوه إلى عبادة الله جل وعلا، ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله جل وعلا: (وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا).
أي لو دعونا من دونه إلهًا نكون قد قلنا إذًا باطلًا وشططًا وكذبًا وبهتانًا وزورًا.

لباس زينة أصحاب الكهف
فغضب عليهم الملك، وأمر بنزع لباس الزينة عنهم، والذي كانوا يرتدونه من زينة قومهم،
وكذلك توعدهم بالعذاب، إن لم يعودوا إلى دين قومهم، ثم أمهلم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون.
وكان هذا الأجل من لطف الله عز وجل بهم، لأنهم توصلوا خلال هذه المهلة إلى قرار الهروب والفرار بدينهم من الفتنة.
فكر أولئك الفتية المؤمنون في العزلة، وقطعوا أمرًا باعتزال قومهم حتى لا يكرهوهم على الكفر .
فخرجوا من المدينة إلى الجبال، وقرروا أن يأووا إلى كهف في جبل، وقيل إن اسم كهفهم كان حيزم.
اللجوء إلى الكهف
دعوا الله عز وجل أن ينزل عليهم في الكهف من رحمته،
فاستجاب الله عز وجل لهم، فضرب الله سبحانه وتعالى على آذانهم في الكهف سنين عددًا.
وشملتهم رحمة الله عز وجل عليهم في الكهف، حيث يسر الله عز وجل لهم الأمر وسخر لهم الآيات،
فأمر الشمس ألا تمس أجسادهم حتى لا تؤذيها، فكانت عند الصباح تميل عن أجسادهم فلا تقع عليها، وكانت عند الغروب تميل عنها كذلك فلا تأتيها، وكانوا في فجوة بوسط الكهف.
ومن آيات الله عليهم في الكهف أن عيونهم كانت مفتوحة، فكان الناظر إليهم يحسبهم أيقاظًا ينظرون إليه مع أنهم نيام راقدون.
وحتى لا تأكل الأرض أجسادهم، كان الله يقلبهم مرة على اليمين ومرة على الشمال،
وكان معهم كلبهم الذي يصاحبهم في رحلتهم، حيث جلس على عتبة باب الكهف وبسط ذراعيه ونام مثل نومتهم.
وحتى لا يعتدي أحد عليهم وهم رقود نائمون، قذف الله عز وجل في قلب من ينظر إليهم الرعب،
بحيث لو اطلع عليهم لولى منهم فرارًا ولملئ منهم رعبًا،
وناموا نومتهم الطويلة، حيث بقوا على هذه الصورة ثلاثمائة وتسع سنين.
قيل وكان بقائهم على هذه الصفة دهرًا طويلًا من السنين،
لا يأكلون ولا يشربون ولا تتغذى أجسادهم في هذه المدة الطويلة، من آيات الله وبرهان قدرته.
البعث
وبعد أن مر هذا الزمان الطويل بعثهم الله عز وجل من نومهم، فقاموا وهم يشعرون بتعب شديد في أجسادهم.
وأخذوا يتساءلون فيما بينهم عن المدة التي أقاموها في الكهف.
قال قائل منهم: كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم. قال أحدهم: كم مكثنا في هذا الكهف؟ فقالوا: مكثنا فيه يومًا أو بعد يوم.
وقال المفسرون: إنهم دخلوا في الكهف صباحًا وبعثهم الله عز وجل في آخر النهار،
فلما استيقظوا ظنوا أن الشمس قد غربت فقالوا: لبثنا يومًا، ثم رأوها لم تغرب فقالوا: أو بعض يوم.
وما دروا أنهم ناموا ثلاثمائة وتسع سنين.
قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم، أي قال بعضهم: الله عز وجل أعلم بمدة إقامتنا،
ولا طائل من وراء البحث عنها، فخذوا بما هو أهم وأنفع لكم.
فنحن الآن جياع، فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، أي أرسلوا واحدًا منكم إلى المدينة بهذه النقود الفضية.
شراء الطعام
ليختر لنا أحل وأطيب طعام، فليشتري لنا منه وليتلطف، أي وليتلطف في دخول المدينة وشراء الطعام حتى لا يشعر بأمرنا أحد،
فإنه لو علم أحد بكم سيقتلونكم بالحجارة أو يردونكم إلى دينهم الباطل، وإن عدتم إلى دينهم ووافقتموهم على كفرهم فلن تفوزوا بخير أبداً.
هكذا تناجى الفتية فيما بينهم خائفين حذرين أن يظهر عليهم الملك الجبار فيقتلهم أو يردهم إلى عبادة الأوثان.
فيوصون صاحبهم بالتلطف حين يدخل المدينة وأن يأخذ الحيطة والحذر.
ذهب واحد منهم ليحضر لهم الطعام الطيب، ومعه الدراهم الفضية التي نُقِشَ عليها صورة الملك الظالم دقيانوس.
فلما نزل المدينة، تعجب تعجبًا شديدًا، فقد رأى أن شوارع المدينة قد تغيرت، وأن البيوت قد تبدلت،
وأن الناس غير الناس، ولم يعرف ما السبب في ذلك.
وبعد جهد كبير، وصل هذا الشاب إلى السوق، وطلب من البائع طعامه، فنظر إليه البائع متعجبًا لمنظره.
النقود الفضية
فلما جهز له الطعام وطلب منه ثمن الطعام، أعطاه الشاب تلك النقود الفضية التي كان عليها صورة دقيانوس.
فتعجب البائع وقال له: من أين لك بهذا المال؟ فقال الشاب: إنه المال الذي نتعامل به، وهذه صورة دقيانوس.
فقال البائع: هل أنت مجنون؟ إن دقيانوس -عليه لعنة الله- مات منذ أكثر من ثلاثمائة سنة.
فتعجب الشاب كثيرًا وهو يسمع هذا الكلام، وأحس بأن الدماء قد تجمدت في عروقه.
فتجمع الناس حول هذا الشاب، وأخذوه إلى ملكهم، فسأله عن شأنه، فأخبره بأمره وهو متحير في حاله وما هو فيه.
فقام ملك البلد وأهلها حتى انتهى بهم إلى الكهف، فقال لهم: دعوني أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي.
فدخل، يقال إنهم لا يدرون كيف فيه، وأخفى الله عز وجل عليهم خبرهم،
ويقال -والله أعلم- بل دخلوا عليهم ورأوهم، وسلم عليهم الملك وكان مؤمنًا فيما قيل، ففرحوا به وأنسوه بالكلام،
ثم ودعوه وسلموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم وتوفاهم الله عز وجل.
فاختلف الناس فيهم وتنازعوا بينهم أمرهم ماذا يفعلون بهم.
فمنهم من قال: ابنوا عليهم بنيانًا ربهم أعلم بهم، ولكن الحاكمين فيهم قرروا أن يبنوا عليهم مسجدًا،
وهكذا كان، حيث تم بناء المسجد عليهم.
وبذلك طويت صفحة من صفحات الإيمان والإخلاص والزهد في الدنيا واللجوء إلى الله عز وجل.
وبقيت قصة أصحاب الكهف يتناقلها الناس، ويقف أمامها المؤمنون ليأخذوا منها دروسًا في الإيمان والإخلاص والثبات.