كتب

لماذا تكره المرأة العصرية “كل الرجال” ؟ ما وراء الغضب؟

كتبت-قوت الطيبي

“أكره كل الرجال” عبارة شائعة على لسان كثير من النساء  في أحاديث العصر الحديث، وتثير السخرية والاستهزاء لدى البعض،

على الرغم من أنها في كثير من الأحيان تعني بالفعل التعبير عن كراهية الرجال.

كيف يمكن لامرأة، لا سيما تلك التي لديها أب أو أخ أو حتى حبيب، أن تقول إن جميع الرجال سيئون بطبيعتهم؟

هذه العبارة ليست هجومًا شخصيًا على كل رجل، بل هي انتقاد لكيفية إيذاء الرجال للعديد من النساء.

صحيح أنني شهدتُ استخدام هذه العبارة بشكل غير مسؤول دون أي تفسير يُذكر لتداعياتها.

عندما تُؤخذ على أنها مزحة أو جملة عابرة في نهاية حديث عن شريك صديقتك السابق، ليصبح أخذها على محمل الجد أكثر صعوبة.

أتفهم كم قد يكون هذا مزعجًا، لكنني أعتقد، مع ذلك، أن هناك حوارًا ضروريًا حول هذا الشعور، مزحة كانت أم لا.

الذكورة السامة

أعتقد أن الرسالة الأساسية لهذه العبارة هي نقدٌ للرجولة، أو بالأحرى، الذكورة السامة.

للأسف، أصبحت الذكورة السامة مصطلحًا شائعًا غالبًا ما يمنع الأفراد من إجراء نقاشات جادة وعميقة حول النظام الذكوري دون أن يسخر منها

إذا سألت النساء عن ماهية الرجولة السامة بالنسبة لهن، فستجد أن العديد من تجاربهن متداخلة ومتشابهة.

عندما تبدأ الذكورة بإيذاء الناس، سواءً بإيذاء النساء مباشرةً أو بترسيخ مُثُلٍ مُؤذية تدفع الرجال إلى إيذاء أنفسهم أو من حولهم، فإنها تُصبح رجولةً سامة.

 تتمثل الرجولة السامة في ربط الرجال لقيمتهم الذاتية بعدد النساء اللواتي يستطيع إيقاعهن ، مما يُدمر بدوره العلاقات الحقيقية مع النساء بسبب هذه الفكرة التي تُغفل النظر إلى النساء كأشخاص.

كراهية الرجال

 خلال هذا الصيف قرأت كتابًا بعنوان “I Hate Men”( أكره الرجال) للكاتبة الفرنسية بولين هارمانج،

والذي صدر عام 2020، وأثار جدلاً واسعًا بمجرد نشره، وخاصة في فرنسا،

حيث حاولت وزارة المساواة إيقاف توزيعه قبل أن تتراجع عن ذلك.

هذا الكتاب الصغير في حجمه (حوالي 80 صفحة) يُعد بيانًا نسويًا راديكاليًا،

يدعو إلى فهم أعمق للغضب النسوي تجاه الرجال والنظام الأبوي،

ويطرح فكرة “الميساندرية” (كراهية الرجال) ليس كمرض نفسي،

بل كـ استجابة منطقية ومبررة للعنف المنهجي والاضطهاد الذي تتعرض له النساء على يد الرجال في مجتمع تهيمن عليه الذكورية.

هارمانج لا تدعو إلى كراهية فردية لكل رجل على حدة، بل تستهدف الذكورية كنظام وكطريقة تفكير تسمح بالاضطهاد.

هي تقدم تحليلًا جريئًا ومباشرًا لتجارب النساء، وتكشف عن الأسباب الجذرية لغضبهن.

 الكتاب موجه بشكل أساسي للنساء ليشعرن بأن غضبهن شرعي، ولكنه أيضًا يدعو الرجال لإعادة التفكير في دورهم ومسؤوليتهم.

كراهية الرجال
الكاتبة النسوية بولين هارمانج

لماذا أكره الرجال؟

تبدأ هارمانج الفصل الأول من الكتاب بسؤال مباشر وصادم: “لماذا أكره الرجال؟”

وتوضح أنها لا تقصد بهذا كراهية فردية لكل رجل تعرفه،

بل هي كراهية للنظام الأبوي وللسلوكيات الذكورية السامة التي تفرزها هذه المنظومة.

هي تؤكد أن هذه الكراهية ليست عاطفة غير عقلانية،

بل هي رد فعل مبرر ومنطقي للعنف، والاضطهاد، والتحرش، والتمييز الذي تتعرض له النساء بشكل يومي.

تتحدث عن أن تجارب النساء المتراكمة مع التحرش، التمييز في العمل، العنف المنزلي،

والتعليقات المهينة، تخلق شعورًا عامًا بالاستياء والغضب تجاه الفئة التي تمارس هذه السلوكيات أو تستفيد من النظام الذي يسمح بها.

هي تشير إلى أن النساء يربين على حب الرجال والبحث عن رضاهم، حتى عندما يكون هؤلاء الرجال مصدرًا للأذى.

هذا الفصل يسعى إلى شرعنة الغضب النسوي، ويمنح النساء الحق في التعبير عن هذا الغضب دون شعور بالذنب أو الوصمة.

وتدعو النساء إلى التوقف عن تبرير سلوك الرجال أو البحث عن أعذار لهم،

وأن يعترفن بحقهن في الشعور بالغضب تجاه الظلم الواقع عليهن.

النظام الأبوي

في الفصل الثاني من كتاب” أكره الرجال”، تتوسع هارمانج في تحليل البطريركية (النظام الأبوي)

ليس كمجرد مجموعة من السلوكيات الفردية، بل كـ مؤسسة منظمة تكرس للعنف والسيطرة الذكورية.

هذا النظام  الذي يمنح الرجال السلطة والهيمنة على النساء في جميع جوانب الحياة:

في المنزل، في العمل، في الفضاء العام، وحتى في العلاقات الشخصية.

تذكر الكاتبة أمثلة واضحة على هذا العنف المؤسسي، مثل فجوة الأجور بين الجنسين،

التمثيل الناقص للمرأة في المناصب القيادية، قلة العقاب لمرتكبي العنف الجنسي،

وثقافة الاغتصاب التي تلوم الضحية بدلاً من الجاني.

هي تجادل بأن هذا العنف ليس مجرد حوادث فردية،

بل هو جزء لا يتجزأ من بنية المجتمع الذكورية التي تخدم مصالح الرجال على حساب النساء.

لأن النساء يتم تربيتهن داخل هذه المؤسسة على القبول بدور المرؤوس والضحية،

مما يجعل التحرر من هذا الدور أمرًا صعبًا ويتطلب وعيًا كبيرًا.

وهم المساواة

 في الفصل الرابع تناقش هارمانج، كيف أن المجتمع الحديث يدّعي تحقيق المساواة بين الجنسين،

لكن هذا الادعاء هو مجرد “وهم” يخدم مصالح النظام الأبوي ويهدف إلى إخماد المطالب النسوية.

إذ أن الحكومات والإعلام غالبًا ما يروجون لفكرة أن “النسوية قد حققت أهدافها”،

أو أن “المرأة لديها الآن كل حقوقها”، بينما الواقع يثبت عكس ذلك.

تستعرض الكاتبة الحقائق الصادمة التي تكشف زيف هذه الادعاءات، مثل استمرار العنف ضد المرأة بمعدلات مرتفعة،

وتفضيل الرجال في التوظيف والترقية،

والضغط على النساء لتحمل أعباء الرعاية المنزلية والأسرية حتى لو كن يعملن خارج المنزل.

وهذه الادعاءات تهدف إلى إحباط النساء ومنعهن من المطالبة بالمزيد،

وتجعلهن يشعرن بالذنب إذا ما عبرن عن عدم رضاهن عن الوضع الراهن.

لذلك فإن هذا الفصل يدعو النساء إلى عدم الانخداع بالمظاهر والاستمرار في النشكيك في الوضع القائم.

قوة الأخواتية

أما في الفصل الخامس، تدعو هارمانج إلى أهمية بناء التحالفات والروابط القوية بين النساء (الأخواتية)؛

كوسيلة أساسية لمواجهة النظام الأبوي.

مبررةو ذلك بأن النساء غالبًا ما يتم تجريدهن من قوتهن من خلال عزل بعضهن عن بعض،

أو جعلهن يتنافسن على رضا الرجال.

لذلك، فإن إعادة بناء الروابط النسائية وتشكيل شبكات دعم قوية يعد أمرًا حيويًا.

تتحدث عن أهمية أن تستمع النساء لبعضهن البعض، وأن يدعمن بعضهن البعض،

وأن يصدقن تجارب بعضهن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعنف أو التحرش.

 هذا التضامن النسائي هو ما يمكن أن يمنح النساء القوة الجماعية لمواجهة التحديات وتغيير الواقع.

 هي تشجع النساء على “إعادة توجيه” غضبهن من الرجال إلى النظام الأبوي،

وتوجيه طاقتهن نحو بناء مجتمعات نسائية قوية ومتحدة.

هذه الأخواتية ليست مجرد دعم عاطفي، بل هي استراتيجية سياسية وثورية لتحقيق التغيير.

مستقبل بلا رجال؟

الفصل  السادس والأخير هو الأكثر استفزازًا في الكتاب، حيث تتساءل هارمانج،

عما إذا كان “الانفصال” عن الرجال يمكن أن يكون حلاً جزئيًا أو مؤقتًا للنساء.

هي لا تدعو بشكل صريح إلى الانفصال التام لكل امرأة عن كل رجل في حياتها،

بل تطرح فكرة إمكانية أن تختار النساء التركيز على حياتهن وعلاقاتهن مع النساء الأخريات،

وأن يقللن من اعتمادهن على الرجال عاطفيًا، اجتماعيًا، وحتى ماليًا.

تستكشف الكاتبة مفهوم “اللسبية السياسية” (Political Lesbianism) كخيار لبعض النسويات الراديكاليات،

حيث تختار النساء العلاقات المثلية ليس فقط بناءً على الميول الجنسية، ولكن كبيان سياسي ورفض للذكورية.

هي لا تدعو جميع النساء إلى هذا المسار، بل تطرحه كفكرة للتفكير في مدى عمق التأثير الذكوري على حياة النساء،

وكيف يمكن للنساء استعادة سلطتهن من خلال إعادة تشكيل أولويات علاقاتهن.

هذا الفصل يفتح نقاشًا حول ما إذا كان التحرر الحقيقي يتطلب قدرًا من الانفصال عن الهيمنة الذكورية.

في النهاية على الرغم من أهمية الكتاب في شرعنة الغضب النسوي، إلا أن بعض جوانبه تثير تحفظات.

ففي محاولته تحويل كراهية النظام الأبوي إلى دعوة للانفصال،

يقترب الكتاب من تحوير الغضب المشروع إلى تبني أفكار إقصائية.

خاصة عندما يطرح المثلية السياسية أو التفكير في العزلة النسائية كحلول،

فإنه يخاطر بتعزيز الانقسام بدلاً من البحث عن سبل للتعايش والمساواة الحقيقية بين الجنسين، مما قد يعيق التغيير الشامل في المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى