سينما

في ذكرى وفاته الـ22.. رضوان الكاشف فيلسوف تراجيديا البهجة

صاحب رائعة عرق البلح

حلت أمس ذكرى وفاة المخرج السينمائي الكبير رضوان الكاشف، والذي رحل عن عالمنا في 5 يونية 2022، عن عمر يناهز 50 عاما، تاركا بصمة في صناعة تراجيديا البهجة .

 كانت وفاة الكاشف بمثابة صدمة  كبيرة في الوسط الفني، إذ أن عبقرية الكاشف كان منتظر منها الكثير لاسيما أنه كان يغزل من معاناة الطبقات الكادحة  قصصا ذات طابع خاص، تمس الروح  وتخلق لغة ذات عذوبة، يجعل بها فكرته وقضيته  يهتز به وجدان كل من رآها .

 ثلاثة أفلام فقط كانت هي رصيد الكاشف السينمائي ، لكنها كانت قادرة على إبقاء اسمه متصدرا كرائد للسينما الواقعية  الساحرة  على الرغم من وفاته منذ 22 عاما .

 بعد حصوله على ليسانس آداب قسم فلسفة في عام 1978، درس الكاشف الإخراج في المعهد العالي للسينما، وتخرج منه في عام 1984.

كان الفيلم القصير الجنوبية  مشروع تخرجه، والذي حصل عنه على جائزة العمل الأول من وزارة الثقافة  في عام 1988، لتبدأ انطلاقته في عالم الإخراج  إذ عمل كمساعد مخرج  فيما يقرب من 20 فيلما مع مخرجين مثل يوسف شاهين ورأفت الميهي  وداوود عبدالسيد.

لا تزال القراءة التحليلة لأفلامه تكشف عن زوايا جديدة ، كلما عرض أي عمل منها، وكان اسمه وحده كفيلا وضامنا  لجمهوره لمشاهدة ثرية .

ليه يا بنفسج

كان فيلم ليه يابنفسج أول تجربة روائية طويلة للكاشف كمخرج،  كتب فيه السيناريو والحوار أيضا، ونقل الكاشف في هذا صورة عذبة لحياة المهمشين وواقعهم الصعب، الذي يدفعهم لارتكاب أفعال غير مشروعة، الفيلم من بطولة فاروق الفيشاوي ونجاح الموجي وحسن حسني ولوسي وأشرف عبدالباقي .

مقطع من فيلم ليه يابنفسج

وتلخص فكرة أغنيه ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين، لصالح  عبدالحي الفكرة الفلسفية التي يدور حولها هذا العمل المبهر، فكلمات الأغنية جاءت لتعبر عن حال هذا المجتمع من البسطاء والمهمشين والمقهوريين الذين يملأهم ويعتصرهم الحزن ولكنهم في نفس الوقت  أكثر الناس فرحا و سعاد.

تدور أحداث الفيلم (ليه يا بنفسج ) حول  أربعه من البؤساء عملهم ووظيفتهم هي عربة خشببية متنقله يجرونها باليد يبيعوا عليها الطعام للبسطاء ويقهرهم الفقر والخوف من البلدية .

يعيش البؤساء الأربعة  في منازل شيدت  من بقايا المجتمع الاستهلاكي من علب الصفيح أو أفيشات الأفلام والإعلانات القديمة ورغم كل هذا البؤس الذي يملأ صدورهم وينهش في أرواحهم،  فإن لهم هواية مفضلة  يعشقونها تتمثل في الغناء  الغناء في الأفراح، والتي كان يولعون بها  كملاذ ينسهم حالة البؤس التي يعيشونها وفي نفس الوقت يحصلون منها على بعض الأموال التي تعينهم على حياتهم الصعبة .

ونجح هذا الفيلم الذي  نال العديد من الجوائز في التعبير عن واقع الحياة في الأحياء الفقيره في  مصر في تلك الفترة ، والتي كان يعتصرها البؤس والفقر ولكن ها في نفس الوقت تهوى الفرح وتصنع من رغم آلمها بهجة وسعادة تطوق إليها تلك النفوس المنهكة من قسوة الواقع.

عرق البلح

أما العمل الثاني في مسيرة رضوان الكاشف، فكان رائعته  عرق البلح  والذي صنف على أنه  أيقونة سينمائية غير قابلة للتكرار ، تلك الأيقونة  ظل الكاشف  يعمل في كتابتها  6 سنوات ويبحث عن  منتج لها لسنوات طويلة، لتظهر للنور في عام 1999.

وصف هذا الفيلم بأنه جاء كتعديدية مصرية  عن الغربة ، ترصد المشكلة الأزلية  للتاريخ الطويل من القهر والسخرة  لعمال التراحيل  منذ حفر قناة السويس ، وحتى  موسم الهجرة إلى الخليج وما يجلبه من مشاكل نفسية وشخصية للمجتمع .

 قدم الكاشف صورة سوداوية للغاية لكنها لا تخلو من السحر والعذوبة، تستشرف  تلك  الصورة رحيل الرجال  عن إقليم الصعيد في موسم الهجرة إلى البلدان الخليجية هروبا من شظف العيش،  معبرا دون مواربة عن المشاكل النفسية والجنسية  التي يعانيها نساء تلك القرية التي هجرها كل رجالها، فيما لم يبقى فيها إلا صبي واحد وجد عجوز يرمز إلى عبق التاريخ المضىء، جسد  تلك الشخصية الفنان حمدي أحمد باقتدار منقطع النظير.

فيلم عرق البلح رائعة المخرج المصري رضوان الكاشف

 فقد رحل جميع الرجال بأحلامهم ومخاوفهم  وبقيت النساء والأطفال والصبي أحمد والجد  لتسير الحياة كالمعتاد في النجع ، فلا يختلف الأمر إلا في علامات القلق والخوف  التي تزداد على وجه سيدة لم تتلقى  من زوجها  رسالة بريدية منذ 6 أشهر .

وسط مشاهدة الفيلم تدرك أن الأمر ليس بالهدوء التي تسير بها الأحداث ، فأزيز الاحتياج  تجتاح نساء النجع واحدة تلو الأخرى ، وتظهر  على مرات في نظرة عابرة أو ابتسامة  دلال أو ضحكة عابثة، حتى تصل إلى محطته الرئيسية عندما يتم استدعاء فرقة  “سبس” الزمار  لإقامة الأفراح في نجع الحريم .

وتمثل أغنية “بيبة ” وهي مقطوعة سيريالية من التراث ، نقطة تحول فاصلة في هذا العمل، فقد عبرت جميع النساء عمن سكتن عليه طوال الفترة الماضية في هذه الأغنية من حسرة وقلق وخوف وحرمان ، حتى  لحظة سقوط ” شفا ” الممثلة منال عفيفي  في براثن الخطيئة مع ؟أحد أعضاء فرقة  “سبس” الزمار .

حصد هذا الفيلم 27 جائزة دولية، فيما لم يبقى في دور العرض المصرية سوى أسبوعا واحدا فقط ، بينما ظل معروضا في سينيمات فرنسا لمدة 6 أشهر متتالية .

فيلم الساحر

أما العمل الثالث فكان فيلم الساحر الذي قام ببطولته الفنان محمود عبدالعزيز ، وناقش فلسفة أو سياسة تأقلم البسطاء مع المعاناة .

يدور الفيلم حول مشكلة الاغتراب ، والسعي وراء الاحتفاظ  على الهوية والعادات والتقاليد لاسيما فيما يتعلق بقضية الشرف ، وهي المشكلة التي كانت تؤرق رضوان الكاشف على المستوى الشخصي .

وتعرض الفيلم  لإبراز شخصية الشعب المصري  المتمثلة في خفة الدم  والضحك  المتواصل برغم كل ما يواجهه في الحياة  من صعوبات وهو ما مثل من وجهة نظر الكاشف  لفظة السحر ، وهي الخدعة التي يتحايل بها على مرارة الأيام.

كان اسم هذا الفيلم في البداية نظرية البهجة ، وتم تغيير الأسم لأسباب غير معروفة ، إذ قيل حينها أن أصدقاء رضوان الكاشف نصحوه بذلك ، وغيرهم قالوا أنه جاء نتيجة لضغط من منتجي الفيلم .

 تدور أحداث الفيلم حول أب يسعى طوال الوقت  للحفاظ على ابتته ، وتعد هذه هي المشكلة الوحيدة له والتي يتم التركيز عليها منذ بداية الفيلم لآخره .

بعد ذلك تظهر مشكلة أخرى لبطل الفيلم ، وهو طفل  جارته الذي يحتاج إلى إجراء عملية  في عينيه قبل أن يفقد البصر تماما .

يحاول البطل طوال أحداث الفيلم للحفاظ على نور بنته  التي جسدت شخصيتها الفنانة منة شلبي، وعلى نور عين الطفل علي ، في رمزية  لضرورة الحفاظ على جيلين هما الشباب والأطفال .

يخشى محمود عبد العزيز أن تُسحر ابنته وتغير هويتها وتسير في طريق الغواية بحثا عن المتعة  والحياة  المترفة ، دون النظر إلى مبادىء كالشرف والسمعة الحسنة ، في نفس الوقت يبحث عن طريقة  يجني بها المال  لإجراء عملية  للطفل علي ، ليعمل ساحرا  يقوم بأفعال يحاول بها  أن يضحك  رجل كبير ثري يبحث عن البهجة  ليحصل منه على الأموال ، لكن  المشكلة تكمن في أن هذا الرجل لديه حفيد  أراد أن تكون نور  ضحية  لرغاباته الدنيئة ، مقابل حصول أبيها على المال من جده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى