هل تنهي مصر برنامج صندوق النقد؟ تكهنات بـ”فك الارتباط” ورؤية اقتصادية جديدة

القاهرة- تتزايد التكهنات بشأن قرب انتهاء العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي،
في ظل حديث عن توجه الدولة نحو مسار اقتصادي مستقل، لا يتقيد بالشروط والتعليمات الخارجية.
هذا التطور يأتي في وقت تستعد فيه الحكومة المصرية لإطلاق رؤية اقتصادية جديدة لمرحلة ما بعد الصندوق،
ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة القاهرة على “فك الارتباط” وإدارة اقتصادها دون تدخلات دولية.
وفي هذا السياق، صرح الدكتور محمود محي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي للمجموعة العربية،
بأنه يتفق مع توجه رئيس الوزراء المصري بشأن وضع خطة تنموية اقتصادية شاملة لمرحلة ما بعد الصندوق.
واعتبر محي الدين أن الاقتصاد المصري دار في الفترة من عام 2015 وحتى نهاية علاقته الحالية مع الصندوق في إطار “إدارة أزمات” وبرنامج للتثبيت،
معتبرًا أن الوقت قد حان للتخلص من هذا النهج المقيد للحركة.
وأشاد بالخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي، واعتبرها مؤشرًا على ضرورة تبني مصر نهجًا مختلفًا.
مؤشرات على “طريق مسدود”
تشير المعطيات الحالية إلى أن العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولي قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود.
وقد تجلى ذلك في عدد من المواقف، أبرزها تأجيل الصندوق لصرف الشريحة الخامسة من قرض الـ 8 مليارات دولار.
فبينما كانت مصر تنتظر صرف الشريحة، وصل وفد من الصندوق للقيام بالمراجعة الدورية،
ورغم تنفيذ الحكومة المصرية للعديد من الشروط المتفق عليها، إلا أن الصندوق رفض صرف الشريحة بسبب تأخر برنامج الطروحات الحكومية والتخارج من بعض الشركات والقطاعات المملوكة للدولة.
وقد أدى ذلك إلى تأجيل المراجعة الخامسة لدمجها مع السادسة التي كان مقررًا إجراؤها في سبتمبر.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة المصرية عن تنفيذها للعديد من الشروط، إلا أن التوترات الجيوسياسية والاقتصادية لعبت دورًا في تعقيد الأوضاع.
فقد أثرت هذه التوترات بشكل مباشر على مصادر الدخل الدولاري، وعلى رأسها إيرادات قناة السويس التي تراجعت بنسبة تجاوزت 70%،
مما أدى إلى خسائر فاقت 7 مليارات دولار، وهو رقم كان من شأنه أن يغير الكثير في الاقتصاد المصري ويمنع الحكومة من الاقتراض.
كذلك تأثر قطاع السياحة، الذي تعوّل عليه الحكومة في قيادة الاقتصاد، حيث أن إيراداته مستدامة وتُسهم بشكل مباشر في الناتج القومي.
“السردية الوطنية”.. خريطة طريق للمستقبل
في المقابل، تستعد الحكومة المصرية للإعلان عن “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل” يوم الأحد المقبل.
هذه الوثيقة، التي استعرضتها وزيرة التخطيط الدكتورة رانيا المشاط، تمثل إطارًا شاملًا يدمج بين رؤية مصر 2030 وبرنامج عمل الحكومة.
وأوضحت المشاط أن السردية الوطنية ليست مجرد خطة حكومية، بل هي برنامج إصلاح اقتصادي شامل يرتكز على خمسة فصول أساسية:
استقرار الاقتصاد الكلي، تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، التنمية الصناعية والتجارة الخارجية، كفاءة ومرونة سوق العمل، والتخطيط الإقليمي لتوطين التنمية الاقتصادية.
وأكدت المشاط أن هذه المحاور تستهدف دعم الاقتصاد المصري في التحول إلى نموذج قائم على القطاعات التصديرية والتبادل التجاري،
كما أنها تهدف إلى إعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد ليصبح أكثر تحفيزًا للقطاع الخاص.
ومن المقرر أن تُطرح الوثيقة للحوار المجتمعي لمدة شهرين لضمان مشاركة واسعة من الخبراء وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني.
تحديات قائمة رغم التحسن
من جهته، أكد محمود محي الدين أن انتهاء الأزمة الاقتصادية في مصر يعتمد على نوع الأزمة التي نتحدث عنها.
فبينما شهدت بعض المؤشرات تحسنًا ملحوظًا، مثل استقرار سعر الصرف وارتفاع الفائض الأولي في الموازنة العامة، فإن الأزمة الحقيقية تكمن في النمو والتنمية.
وشدد على أن الاقتصاد المصري لم يحقق نموًا ملموسًا منذ عام 2015، وأن الناتج المحلي الإجمالي لم يتحرك كثيرًا.
وأوضح أن الاقتصاد المصري اليوم، الذي يبلغ نحو 350 مليار دولار بأسعار السوق، لا تتجاوز نسبته 0.3% من الاقتصاد العالمي، في حين أن عدد السكان في مصر يمثل نسبة أكبر بكثير من ذلك.
واختتم محي الدين تصريحاته بالتأكيد على أن الاقتصاد المصري يجب أن يكون أفضل مما هو عليه الآن بأربع مرات على الأقل،
وأن الأزمة التنموية ستظل قائمة ما لم يتم تعزيز مجالات الاستثمار، والتصدير، والادخار، وزيادة الإيرادات العامة.
وبالتالي، يبدو أن مصر تتجه نحو مسار جديد يهدف إلى الاستقلالية الاقتصادية،
معتمدة على رؤيتها التنموية الجديدة التي تهدف إلى تحقيق نمو مستدام، بعيدًا عن شروط الصندوق التي قد تعيق مسيرة التقدم وتؤثر على القدرات التنافسية للاقتصاد.