سينما

فيلم “Possession”: كيف تقودنا العلاقات السامة لهاوية العنف والجنون؟

فيلم “بوسيشن” (Possession) هو عمل سينمائي فرنسي-ألماني غربي صدر عام 1983، من إخراج وكتابة المخرج البولندي أندريه زولاوسكي، الذي يُعتبر هذا الفيلم أحد أكثر أعماله تميزًا وإثارة للجدل.

يجمع فيلم Possession بين الدراما النفسية، الرعب، الأكشن، الغموض، والتشويق في قالب سينمائي غير تقليدي،

يستعرض قصة زواج متهاوي ينحدر إلى هاوية العنف والجنون.

والفيلم مستوحى من تجربة زولاوسكي الشخصية أثناء طلاقه، يقدم  رؤية مكثفة للعلاقات السامة،

مع أداء مذهل من بطولة إيزابيل أدجاني وسام نيل.

يتميز العمل بتصوير سينمائي مبتكر وموسيقى تصويرية مكملة لأجوائه المضطربة،

مما جعله تحفة فنية لا تُنسى رغم تأثيره النفسي العميق على الممثلين والجمهور.

شخصيات فيلم “بوسيشن” Possession

– آنا (إيزابيل أدجاني): زوجة مارك، امرأة تعيش صراعًا داخليًا عميقًا، تتأرجح بين رغبتها في الحرية والانتماء إلى عائلتها.

 أداء أدجاني في هذا الدور يُعد من أكثر الأداءات تعبيرية وتأثيرًا في تاريخ السينما،

حيث جسدت حالة من الانهيار النفسي والجسدي بشكل صادم.

أدجاني وصفت تجربتها في الفيلم بأنها “مدمرة نفسيًا وجسديًا”، مشيرة إلى أنها حاولت الانتحار بعد التصوير بسبب كثافة العمل. 

– مارك (سام نيل): جاسوس سابق يعود إلى برلين الغربية بعد استقالته لإنقاذ زواجه، لكنه يجد نفسه في دوامة من الشك والغيرة.

نيل وصف الفيلم بأنه “الأكثر تطرفًا” في مسيرته، مشيرًا إلى صعوبة تجسيد مشاهده العنيفة،

خاصة مشهد الضرب الذي رفض فيه في البداية إيذاء أدجاني، لكنها أصرت على ذلك لإضفاء الواقعية. 

– هيلين (إيزابيل أدجاني أيضًا): معلمة ابنهما بوب، تظهر كنسخة مثالية من آنا، هادئة ومطيعة،

تمثل الشخصية التي يرغب مارك في رؤيتها في زوجته. 

– هاينريك (هاينز بيننت): عشيق آنا، رجل حساس ومثقف يتناقض مع طباع مارك العنيفة، لكنه يصبح جزءًا من الصراع العاطفي المدمر. 

– بوب (مايكل هوجين): ابن آنا ومارك، ضحية إهمال والديه، يعاني من التفكك الأسري وينتهي به المطاف في مأساة مروعة. 

فيلم possession
الممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني

شخصية الوحش في فيلم “بوسيشن” 

الوحش في فيلم “بوسيشن” هو كائن غامض ومرعب يظهر في شقة مهجورة تتردد عليها آنا،

ويُعد رمزًا مركزيًا للعلاقة السامة بينها وبين مارك.

هذا الكائن، الذي يتغذى على ضحاياه ويكبر تدريجيًا حتى يتخذ شكلًا نهائيًا يشبه مارك بعيون خضراء،

يمثل الطبيعة المدمرة للعلاقة التي تستهلك كل من يقترب منها.

الوحش يُجسد غرور مارك ورفضه لفكرة خيانة آنا، حيث يتخيلها في خياله كعشيق بشع يعكس جنونه الداخلي.

في الوقت نفسه، يرمز إلى حالة الاضطراب النفسي (السايكوزيس) التي تصيب آنا،

وهي عالقة بين رغبتها في الهروب من العلاقة وعجزها عن ذلك.

الوحش، إذن، ليس مجرد كائن خارق، بل تجسيد للغضب، الغيرة، والدمار العاطفي الذي يبتلع الجميع، من آنا ومارك إلى هاينريك،

وحتى الطفل بوب وهيلين في النهاية.

ملخص قصة Possession

تدور أحداث “بوسيشن” في برلين الغربية خلال الحرب الباردة، حيث يعود مارك، الجاسوس السابق،

إلى بيته ليجد زوجته آنا تطالب بالطلاق دون إبداء أسباب واضحة.

تتفاقم الشكوك لدى مارك حول خيانة آنا، مما يدفعه لمراقبتها وتوظيف محققين لتتبعها.

يتكشف أن آنا تقضي وقتًا في شقة مهجورة تحتوي على كائن غامض ومرعب، يتغذى على ضحاياها ويكبر تدريجيًا.

تتصاعد الأحداث بين مشاهد العنف الجسدي والنفسي، حيث ينهار مارك تحت وطأة الإدمان واليأس،

بينما تفقد آنا عقلها تدريجيًا، متأرجحة بين حبها لهاينريك وعائلتها.

تنتهي القصة بمواجهة مأساوية تؤدي إلى موت معظم الشخصيات، مع إشارات رمزية إلى الحرب والدمار،

تاركة بوب وهيلين في مواجهة مصير مجهول.

تحليل الفيلم

“بوسيشن” ليس مجرد فيلم رعب أو دراما، بل هو تجربة سينمائية تعبيرية تعكس حالة الانهيار العاطفي والنفسي لعلاقة زوجية سامة.

 يستخدم زولاوسكي رمزية غنية لتصوير العزلة والصراع الداخلي: 

– التصوير السينمائي: يتميز العمل بحركة دائرية للكاميرا، تعكس التكرار والدورات المدمرة في العلاقات.

 العدسات تلتقط الشخصيات بطريقة معزولة، مع إضاءة صفراء دافئة خارج البيت وإضاءة بيضاء باردة داخله، مما يبرز البرودة العاطفية والحزن. 

– الرمزية: حائط برلين يظهر كرمز للانقسام بين مارك وآنا، مشيرًا إلى تحلل العلاقة والبلاد.

الكائن الغامض في الشقة يمثل الطبيعة المدمرة للعلاقة السامة، التي تتغذى على الغيرة والغضب والجنون.

الشخصيات المستنسخة (هيلين والوحش) تعبر عن محاولات كل طرف لخلق نسخة مثالية من الآخر، وهي فكرة محكوم عليها بالفشل. 

– الأداء التمثيلي: أداء أدجاني في مشهد المترو الشهير، الذي يُعتبر رقصة تعبيرية عن الألم والجنون،

يعكس حالة الإجهاض النفسي والجسدي، بينما يبرز أداء نيل التوتر بين العنف والضعف. 

– السياق التاريخي: يعكس الفيلم أجواء الحرب الباردة، حيث التوتر المستمر دون انفجار حقيقي، مشابه للعلاقات السامة التي تدمر أطرافها تدريجيًا. 

الجوائز والاستقبال

حصل “بوسيشن” على خمس جوائز، بما في ذلك جائزة أفضل ممثلة لإيزابيل أدجاني في مهرجان كان 1981 (بالمناصفة مع فيلم آخر لها)، وترشح للسعفة الذهبية.

رغم حظره في عدة دول مثل إنجلترا وأستراليا بسبب مشاهد العنف والرعب، حظي الفيلم بتقييمات مرتفعة: 7.3/10 على IMDb، 75/100 على Metacritic، و78% من الجمهور و85% من النقاد على Rotten Tomatoes. 

خاتمة

“بوسيشن” هو مرآة سينمائية تعكس الجحيم العاطفي للعلاقات السامة، مقدمًا تحذيرًا قويًا من محاولات تغيير الآخر أو السيطرة عليه.

 بتصويره المبتكر وأداءاته المذهلة، يبقى الفيلم تحفة فنية تثير القلق والإعجاب في آن واحد، تاركًا أثرًا عميقًا في الجمهور والنقاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى