تقرير

يديعوت أحرونوت: “إسرائيل تحت وصاية أمريكية”؟

انتقادات للنفوذ الواسع لواشنطن بعد إقامة قاعدة عسكرية دولية في كريات غات"

تل أبيب – في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، أقامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها الدوليين، مقرًا عسكريًا دوليًا في مدينة كريات غات جنوب إسرائيل، يضم نحو 200 جندي أمريكي إلى جانب قوات من دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا ودول خليجية.

يُعتبر هذا المقر، الذي أُطلق عليه “مركز التنسيق المدني-العسكري لخطة ترامب“، جزءًا أساسيًا من الجهود الأمريكية لضمان تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.

 لكن الزيارة المتزامنة لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، بما في ذلك نائب الرئيس جيه دي فانس والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر،

أثارت انتقادات حادة في إسرائيل، حيث يُنظر إليها كتدخل مباشر في الشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلية، وكحرص على “السيطرة” على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمنع انهيار الهدنة الهشة.

زيارة دي فانس لإسرائيل

بدأت القصة مع وصول نائب الرئيس الأمريكي إلى مطار بن غوريون يوم الثلاثاء الماضي (21 أكتوبر)، في أعلى مستوى زيارة أمريكية إلى إسرائيل منذ سنوات، مصحوبًا بويتكوف – الذي يُعتبر مهندس صفقة الرهائن – وكوشنر، ابن زوجة الرئيس دونالد ترامب.

كانت الزيارة مُعلنة لدعم “المرحلة الثانية” من خطة ترامب الـ20 نقطة، التي تشمل نزع سلاح حماس تدريجيًا، إعادة الرهائن المتبقين (بما في ذلك 13 جثمانًا)، وانسحاب إسرائيلي تدريجي من غزة مقابل إدارة فلسطينية مصلحة.

خلال مؤتمر صحفي في كريات غات أمس، أعرب فانس عن “تفاؤل كبير” بأن “الأمور تسير أفضل مما توقعنا”، مشددًا على أن الولايات المتحدة ستدير المركز لضمان تدفق المساعدات الإنسانية ومراقبة الانتهاكات.

وأضاف: “لن نسمح بأي شيء يهدد السلام، وسيتطلب الأمر وقتًا طويلاً، لكننا ملتزمون بالتنسيق الوثيق مع أصدقائنا الإسرائيليين”.

نقطة خلاف

ومع ذلك، تحولت هذه الزيارة إلى نقطة خلاف داخل إسرائيل، حيث يرى محللون ونواب في الكنيست أن إقامة المقر العسكري في أرض إسرائيلية تمثل “رقابةً مباشرة” على قرارات نتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا داخلية من اليمين المتطرف لاستئناف العمليات العسكرية في غزة.

في مقال رئيسي نشرته “يديعوت أحرونوت” اليوم، وصف الكاتب البارز يائير لابيد – رئيس المعارضة – الوجود الأمريكي بأنه “محاولة واضحة لفرض الوصاية على سياساتنا الأمنية، تحت غطاء السلام”.

وأضاف: “نحن لسنا محمية أمريكية، ولا يمكن لواشنطن أن تُملي علينا كيفية التعامل مع حماس.

هذا المقر ليس مجرد تنسيق، بل هو مراقبة يومية لتحركات الجيش الإسرائيلي، لمنع أي رد فعل قوي يُفسر كانتهاك للهدنة”.

انتقادات داخل الحكومة الإسرائيلية

الانتقادات لم تقتصر على المعارضة؛ لكنها امتدت داخل التحالف الحكومي ، أعرب  وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن “قلق عميق” من أن الـ200 جندي الأمريكي-الذين يعملون إلى جانب جنود إسرائيليين وقوات من دول أخرى – يُشكلون “ضغطًا غير مباشر” لإجبار نتنياهو على الالتزام بالانسحاب التدريجي من غزة، رغم الاشتباكات الأخيرة في رفح التي أسفرت عن مقتل اثنين من الجنود الإسرائيليين يوم الأحد.

في تصريح لـ”جيروزاليم بوست”، قال سموتريتش: “التنسيق بين واشنطن وتل أبيب ضروري، لكنه لا يعني السماح للأمريكيين بإدارة عملياتنا.

هذا الوجود المكثف يُنظر إليه كمحاولة لمنع انهيار الاتفاق، لكنه يقوض استقلالية إسرائيل”.

مركز كريات غات

وأشار تقرير في “معاريف” إلى أن المركز في كريات غات يراقب “كل تحرك في غزة عبر شاشات وأقمار صناعية”، ويوافق أو يرفض بعض الإجراءات الإسرائيلية، مما أثار تساؤلات حول “عمق النفوذ الأمريكي”.

من جانب آخر، دافع مسؤولون في مكتب نتنياهو عن الشراكة، مشددين على أن المقر “يُعزز الأمن الإسرائيلي” من خلال ضمان إعادة الرهائن ونزع سلاح حماس، وفقًا لخطة ترامب التي وُصفت بأنها “دعم دولي غير مسبوق”.

وفي اجتماع مع فانس أمس في مكتب الرئيس في القدس، أكد نتنياهو التزامه بالاتفاق، لكنه حذر من أن “أي انتهاك من حماس سيُعامل بقوة”.

كما أن ويتكوف، الذي التقى بمسؤولين أمنيين إسرائيليين، لعب دورًا في فرض تنازلات على الحكومة، مستفيدًا من علاقته الوثيقة بترامب، لإنقاذ الهدنة بعد الاشتباكات الأخيرة.

هدنة هشة

يأتي هذا الجدل وسط مخاوف إسرائيلية من أن الهدنة الهشة قد تنهار إذا لم يتم الالتزام الصارم بالخطة، خاصة مع اتهامات متبادلة بين إسرائيل وحماس بانتهاكات، بما في ذلك غارات إسرائيلية أسفرت عن مقتل 26 فلسطينيًا الأسبوع الماضي.

وفقًا لتقرير للأمم المتحدة، عاد أكثر من 15,000 نازح إلى شمال غزة، لكن الدمار الواسع يعيق إعادة الإعمار.

في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن الضغط الأمريكي قد يُعزز الاستقرار الإقليمي، لكنه يُثير تساؤلات حول مستقبل السيادة الإسرائيلية في اتخاذ قراراتها الأمنية.

مع اقتراب نهاية زيارة فانس اليوم الخميس، يبقى السؤال: هل هذا التنسيق الوثيق خطوة نحو سلام دائم، أم بداية لـ”وصاية” أمريكية تُقيد حرية إسرائيل؟

في إسرائيل، الإجابة تختلف حسب الموقف السياسي، لكن التوتر واضح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى