سينما

فيلم “Se7en”: رحلة في أعماق الجريمة والخطايا السبع(مراجعة)

يعد فيلم “Se7en” واحدًا من أهم أفلام الجريمة والغموض في تاريخ السينما،

بأسلوبه المظلم وقصته المعقدة التي تأخذ المشاهد في رحلة نفسية عميقة.

 من خلال هذا النص، نستعرض تفاصيل هذا العمل الفني الرائع، من إخراجه المبتكر وأسلوبه البصري المميز،

 إلى شخصياته التي لا تُنسى، وكيف تمكن من ترك بصمة لا تُمحى في قلوب وعقول محبي السينما.

لمحة عن الفيلم والمخرج

فيلم “Seven” هو فيلم أمريكي من إنتاج عام 1995، وهو فيلم جريمة ودراما.

يحكي الفيلم عن محقق مُحنَّك وزميله الشاب المندفع، يتتبعّان الأدلة في محاولة للإيقاع بقاتل متسلسل يستخدم الخطايا السبع المميتة دافعًا لجرائمه.

الفيلم من إخراج المخرج ديفيد فينشر، الذي عُرف بأفلام أخرى مثل “Gone Girl” و”Fight Club”.

فينشر مخرج مشهور بأفلام الجريمة والغموض، يتميز بأسلوبه المظلم جدًّا، وقد استخدمه هنا في الفيلم ليُحقّق الصورة التي نراها.

الابتكار الفني والتقني

لجعل الفيلم مظلمًا بهذا الشكل الطبيعي، استخدم ديفيد فينشر طريقة تُسمّى “bleach bypass”،

وهي عملية تُنزع فيها الفضة من خامة الفيلم في مرحلة معينة من تحضيره.

ولكن فينشر تجاوز هذه المرحلة ولم يُجرها، مما أدى في النهاية إلى أن أصبح الفيلم مظلمًا جدًّا بالشكل الذي نراه.

السيناريو من كتابة أندرو كيفن ووكر، وهو كان كاتب سيناريو مغمورًا لم يجد من يشتري سيناريوهاته،

وحرفيًّا رفع سماعة الهاتف وكتب قائمة بأسماء المنتجين وظل يتصل بكل من يعرفه ومن لا يعرفه، حتى وصل إلى شخص يبيع له السيناريو.

وفي النهاية، وقع السيناريو تحت يد فينشر الذي قرر أن يخرجه.

وقد كتب ووكر هذا السيناريو خلال المدة التي قضاها في نيويورك.

لا أدري لماذا كل شخص يقضي مدة في نيويورك يكتب سيناريو عن الجريمة!

مدير التصوير هو الرائع داريوش خوندجي، الذي برع في فيلم “Amour”.

هو مدير تصوير متنوع جدًّا ويتميز بأن المخرجين يحبون العمل معه؛

لأنه دائمًا يعرف كيف يصل إلى اللون والشكل اللذين يريدانهما.

وعن تعليقه على كيفية إخراج صورة الفيلم بهذا الشكل، قال إن المخرج طلب منه أن يجعل الفيلم “أبيض وأسود ولكن بالألوان”.

الموسيقى من تأليف الأسطوري هاوارد شور.

تحليل شخصيات فيلم se7en وتفاصيل الأداء

 فيلم seven من بطولة مورغان فريمان في دور المحقق سومرست، ويشاركه البطولة النجم براد بيت في دور المحقق ميلز.

براد بيت أخذ هذا الدور من دنزل واشنطن، الذي رفضه وندم عليه لاحقًا.

براد بيت كان نجمًا صاعدًا جدًّا في ذلك الوقت، وكان المنتجون يريدون تغيير نهاية الفيلم لأنها سوداوية جدًّا،

فرفض براد بيت تغيير النهاية تمامًا، وهدّدهم بأنه إذا غُيّرت أو خُفّفت، فإنه سيترك الفيلم.

كان التزامه بالفيلم شديدًا لدرجة أنه في أحد المشاهد التي يضرب فيها الزجاج،

أصيب إصابة شديدة جدًّا، وأجرى عملية، ثم وضعوا هذه الإصابة في سيناريو الفيلم.

ويشاركهما البطولة غوينيث بالترو في دور تريسي، زوجة المحقق ميلز.

وأخيرًا، الرائع كيفن سبيسي في دور جون دو، القاتل.

جدير بالذكر هنا أن كيفن سبيسي، على الرغم من أنه كان نجمًا كبيرًا جدًّا آنذاك،

فإن اسمه لم يوضع على ملصق الفيلم، ولم يشارك في دعايته، ولم يكن أحد يعرف نهائيًّا أنه موجود في الفيلم.

وقد علق على هذه النقطة بأنه كان سعيدًا جدًّا لأنه ليس مضطرًّا للقيام بجولات صحفية وإجراء مقابلات مع الصحفيين؛ لأن هذا كان سيُفسد الفيلم.

وهكذا، أنهى الفيلم وعاد إلى منزله.

تحليل الشخصيات والرموز

كيف تعرف بطل الفيلم من لقطة واحدة فقط؟ هنا يوضح لنا اهتمام فينشر الشديد بالتفاصيل شخصية سومرست في لقطة واحدة.

نرى الستائر في منزله وكأنها قضبان سجون، واهتمامه الشديد بالتفاصيل، فالشخصية الرئيسية مُنظَّمة جدًّا ونظيفة.

وصوت “الكلاكسات” في الخارج مسموع والضجيج، مما يمنحنا فكرة عامة عن الشخص:

إنه شخص يحب الهدوء، شخص منعزل، البيت ليس فيه أطفال، ينام وحده على السرير،

أي إنه أعزب، ويهتم جدًّا بالتفاصيل والنظافة والترتيب، وكأنه محبوس في هذا المكان.

يعطينا إحساسًا عامًا بأنه محبوس في هذه المدينة ومحبوس في هذا البيت، لا يضيع وقته.

ثم يأخذنا فينشر مباشرة إلى سومرست في عمله، حيث نراه يذهب إلى موقع جريمة.

 نجد أن امرأة قتلت زوجها ولديهما طفل صغير.

يسأل سومرست أحد الضباط الواقفين: “هل الطفل الصغير رأى الجريمة؟” فيرد عليه الضابط: “وما أهمية ذلك؟”

هنا يرينا شيئين: انعدام الإنسانية الذي أصبح موجودًا،

وفي نفس الوقت يرينا اهتمام سومرست بالإنسان نفسه، بالأطفال، وبالأثر النفسي الذي قد تتركه جريمة كهذه على طفل.

أيضًا، نرى ظلال القضبان تلاحق سومرست في كل مكان، وهي موجودة دائمًا طوال الفيلم، إما خلفه أو خلف شيء يُمثّلها، مثل الشبابيك والأبواب.

بعد ذلك، يقابل ميلز، المحقق الجديد، وهو على النقيض تمامًا.

مندفع ومتهور ويعتقد أنه يعرف كل شيء ولديه خبرة كافية.

 ثم نرى من زاوية كيف ينظر إليه سومرست، من زاوية عالية توحي بأنه يرى نفسه أكبر منه.

يقول له سومرست: “هذا المكان مختلف عن أي مكان كنت فيه. انسَ خبرتك السابقة.

هذا المكان موحش جدًّا، وخلال الأيام السبعة القادمة، أريدك أن تنظر وتستمع فقط”.

الخطايا السبع والمطاردة الزمنية

بعد ذلك، يبدأ الفيلم في التقسيم إلى الأيام السبعة التي تدور فيها أحداثه.

اليوم الأول هو يوم الاثنين. نرى جريمة: رجل سمين جدًّا بشكل مرضي، ليس طبيعيًّا نهائيًّا، أجبره شخص على الأكل حتى مات.

كان قد ربط رجليه ووضع مسدسًا على رأسه.

نرى في موقع الجريمة سومرست، كالصقر، يبحث عن التفاصيل، بينما ميلز واقف يتذمر ويثرثر.

وبدقة المحقق سومرست، يجد خلف الثلاجة مكتوبًا بالدهن على الحائط: “Gluttony”، ومعناها الفجعة،

 أو الشخص الذي يأكل بشكل خارج عن السيطرة، إحدى الخطايا السبع.

بعدها تأتينا معلومة أن المحقق سومرست سيتقاعد بعد سبعة أيام، أي ابتداء من اليوم.

ثم ننتقل إلى يوم الثلاثاء، ونرى الجريمة الثانية: محامٍ مقتول، ومكتوب بدمه على الأرض “Greed”، أي الطمع.

بعد ذلك، يبدأ سومرست بفهم النمط الذي يتكوّن أمامه، وهو أنه كما توجد سبع خطايا، ستكون هناك سبع جرائم.

لدينا الآن اثنتان: الفجعة والطمع، وستكون هناك خمس خطايا أخرى.

بعدها، يذهب سومرست إلى المكتبة ويلجأ إلى القراءة ليعرف ما هي بقية الخطايا وكيف يمكن أن يتوقع الجرائم القادمة.

بصمات الحائط

في يوم الأربعاء، يجدون بصمات على حائط في مكتب المحامي، ويذهبون لتحليلها.

يتعاملون مع البصمات بطريقة ذكية، فهم يبحثون عنها في لوحة مقلوبة،

وعندما يعدلون اللوحة لا يجدون شيئًا خلفها. يقترح سومرست أن يستخدموا جهاز كشف البصمات، فيجدون البصمات.

في يوم الخميس، يجدون مشتبهًا به بعدما حصلوا على البصمات.

يذهبون للقبض عليه، ويأخذون معهم فرقة العمليات الخاصة. وهناك، يجدون الجريمة الثالثة: رجل مربوط في السرير،

ومعلق في السقف الكثير من معطرات الجو الخاصة بالسيارات.

منظر مخيف ومرعب.

هذه من مميزات فينشر؛ يعرف كيف يجعلك تخاف، وكيف يصنع مكانًا يبقى في ذاكرتك، وكيف يصنع لقطة معينة لا تنساها.

الناس حتى الآن يتذكرون مشاهد معينة من “Fight Club” و”Seven”.

يجدون في موقع الجريمة مكتوبًا على الحائط “Sloth”، أي الكسل.

وهناك صندوق مكتوب عليه “للعالم مني”، وبداخله صور للشخص المربوط في السرير لمدة عام كامل.

هذا الشخص هو تاجر مخدرات لا يعمل أي شيء آخر في الحياة، فقام القاتل بتعذيبه لمدة عام، كل فترة يعطيه مخدرات مختلفة ليبقيه على قيد الحياة، ويعطيه مضادات حيوية حتى لا يموت.

الشخص لا يزال على قيد الحياة ولكنه يتمنى الموت.

يغضب ميلز جدًّا ولا يعرف كيف يسيطر على مشاعره،

فيبدأ بالضرب في الحائط، وهو رد فعل طبيعي لإنسان عادي، ولكنه ليس رد فعلًا مناسبًا لمحقق في قضية.

فيقول له سومرست: “اهدأ وفكر”.

يأتي مصور لتصوير موقع الجريمة من على السلم، فيذهب إليه ميلز ويمسك كاميرته ويكسرها.

بعد ذلك، يظهر لنا فينشر الكاميرا فوق دوامة، وهي تنزل إلى الأسفل.

هذا ما يسمونه “Foreshadowing”، وهو أن يريك شيئًا سيحدث قبل أن يحدث عن طريق علامات أو توجيهات خفيفة.

دوامة الكاميرا

هنا يرينا الكاميرا والدوامة التي تنزل إلى الأسفل، لأنه من هنا،

سيبدأ ميلز في النزول إلى الأسفل، وسنعرف ذلك في نهاية الفيلم.

في يوم الجمعة، تقابل تريسي ميلز سومرست، وكأنه رجل حكيم قديم في المدينة، فتطلب منه النصيحة.

تقول له إنها حامل وإنها لا تجد عملًا، وإنها لا تعرف ماذا تفعل.

 كل هذا محاولة منها للتواصل مع أي إنسان لأن زوجها غير ناضج ولا يستمع إليها.

تقول له إنها حامل وكأنها تخبره أن والدتها ماتت، فجو الفيلم لا يسمح لك بأن تكون سعيدًا بقدوم طفل.

يقول لها سومرست إن لديها خيارين: إما أن تجهض الطفل، أو أن تحتفظ به وتمنحه كل العطف والاهتمام والدلال الذي قد يتمناه.

بعد ذلك، يعودون إلى الجرائم.

نرى كيف يستخدم سومرست وزميله نظام المراقبة الخاص بالـ “FBI” لكي يصلوا إلى الأشخاص

الذين استعاروا الكتب التي تتناول الخطايا السبع من المكتبات في منطقة نيويورك بأكملها.

يحصلون على الأسماء ويحددون كتبًا معينة، ثم يصلون إلى قائمة بالأشخاص، من ضمنهم شخص يذهبون لرؤيته في شقته اسمه جون دو.

مطاردة نفسية وعقلية

اسم “جون دو” هو اسم افتراضي يستخدم للأشخاص المجهولين أو للجثث التي لا يعرف أصحابها.

هنا، اسم جون دو للشخصية يرينا أنه شخص بلا وجود، بلا اسم، بلا تاريخ، بلا أي شيء.

يذهبون إلى بيته، وهناك يفاجئهم جون دو وهم واقفون عند الباب ويطلق عليهم النار.

تحدث مطاردة قد تكون من أفضل المطاردات في السينما؛ لأنها تمنحك إحساسًا حقيقيًّا بأن ميلز الذي يطارد جون دو لا يعرف أين يذهب،

على عكس الأفلام الأخرى التي يركض فيها الاثنان في اتجاه واحد ويعرفان إلى أين يذهبان.

ديفيد فينشر لم يكن قد أخبر براد بيت إلى أين سيذهب وكيف سيتحرك بالضبط، بل أعطاه خطوطًا عريضة ليجعله مرتبكًا.

وهذا أدى إلى أننا نرى ميلز خلال المطاردة ليس ضابطًا يشبه “رامبو”،

بل هو إنسان أيضًا لديه زوجة في البيت وخائف من أن يموت، فيطارد وهو قلق.

تفاصيل جريمة الكسل والكبرياء

يدخلون بعد ذلك إلى شقة جون دو، وهذا درس في ديكور السينما وكيفية صنع مكان يملؤه الجو المناسب.

الشقة فيها كتب ومجلات وصور، مليئة بالتفاصيل التي تعطيك إحساسًا بأن شخصًا مجنونًا كان يعيش هنا.

وجدير بالذكر أن فينشر أحضر أشخاصًا حقيقيين ليكتبوا هذه الكتب بناءً على طلباته.

وفعلاً، مكتوب فيها كلام حقيقي، حتى الكتب التي لم تُفتح أمام الكاميرا.

بعد ذلك، يكتشفون أنه كان يصور ميلز نفسه، وأن هذه هي شقة ميلز.

بعدها، تأتي الجريمة الرابعة: فتاة ليل تُقتل بطريقة بشعة جدًّا بدافع خطيئة الشهوة.

فيلم se7en
مورغان فريمان وبراد بيت أثناء التحقيقي فيجريمة القتل بخطيئة الكبرياء

يمثل هذا المشهد ممثل رائع، بقي لأيام لا ينام ولا يشرب الماء لكي يظهر بهذا الشكل الذي رأيناه في الفيلم.

حتى عندما ذهب إلى المقابلة ليأخذ الدور، لم يأكل ولم ينم جيدًا قبلها ليري المخرج ما يمكنه فعله،

وبالفعل أُعطي الدور وقام به مجددًا خلال تصوير المشهد. فكان شكله حقيقيًّا جدًّا.

جريمة الكبرياء

ثم تأتي جريمة أخرى: عارضة أزياء مقتولة، فقد شوَّه القاتل وجهها،

 وأعطاها خيارين: إما أن تتصل بأحد لكي ينقذها وتعيش مشوهة، أو أن تبتلع الحبوب وتموت.

تختار هي أن تبتلع الحبوب لكي لا تعيش بوجهها الجميل المشوَّه.

خطيئتها هنا هي “Pride”، أي الكبرياء، أو الاعتزاز الشديد بالنفس.

مواجهة جون دو

بعد ذلك، يفشلون في القبض عليه، والقضية في طريقها للإغلاق، وهم يعرفون من هو،

ولكن ليس لديهم أي سجلات أو أوراق ضده.

 وبمجرد أن يدخلوا، هنا يبرع فينشر بفن، فهو يدخل شخصية جون دو.

أول مرة رأينا فيها كيفن سبيسي في الفيلم كانت لقطة واحدة فقط عندما ضربه ميلز على السلم وهو يرتدي ملابس المصور، لكن كان من الصعب جدًّا رؤيته.

وهنا، يدخل فينشر شخصية جون دو بحركة كاميرا وكلمة واحدة فقط.

ظهور كيفين سبيسي

 يسرق كيفن سبيسي الفيلم تمامًا وهو ينادي: “Detective!”.

كيفن سبيسي ممثل رهيب، ممثل مبهر جدًّا.

يدخل ويسلم نفسه.

يأخذونه للتحقيق معه، فيخبرهم المحامي بأنه ارتكب جريمتين أخريين.

لقد قام بخمس جرائم فقط، والخطايا سبع، فما زال هناك جريمتان أخريان.

ولن يخبرهم بمكان الجثث إلا إذا أخذه المحقق سومرست إلى مكان الجريمة.

في أمريكا، الشرطة لديها مشكلة كبيرة مع الصحافة، فيضطرون للموافقة.

يوافقون بالفعل، ويذهبون هم الثلاثة في السيارة، وتراقبهم مروحيات، وكل شيء مسجل.

وهم في السيارة، يحاول سومرست أن يدخل إلى عقل جون دو.

هنا فينشر يرينا أن ميلز هو المحبوس، وليس جون دو.

نرى زاوية التصوير، فعندما تأتي الكاميرا على سومرست، تكون عادية، لكن عندما  تأتي على براد بيت، نرى أنه دائمًا خلف قضبان.

هنا يجهز فينشر المشاهد للمستقبل.

خلال الرحلة، يغضب ميلز ويشتم ويهين جون دو، وسومرست يحاول أن يتناقش معه.

يرى جون دو أن قوة عليا هي التي اختارته ليفعل ما يفعله بسبب لامبالاة العالم.

هذه هي خطيئة العالم في نظره، أن العالم وصل إلى درجة من اللامبالاة جعلت الخطيئة شيئًا عاديًّا في كل مكان.

بعد ذلك، يأخذهم إلى مكان فيه أبراج كهرباء عالية، والمروحية لا تستطيع أن تطير فوقها، فتبقى بعيدة.

وهناك، يصل طرد في سيارة.

النهاية المأساوية

يذهب المحقق سومرست ليأخذ الطرد ويفتحه.

الرعب يظهر على وجهه.

فينشر لا يرينا ما هو في الصندوق، ولسنا بحاجة لأن نرى، ولكن في هذا المشهد، يبني التوتر بشكل مدهش.

يبدأ التوتر قطرة قطرة، ثم يصبح شلالًا.

هذا ما يفعله فينشر هنا، فبينما يفتح سومرست الصندوق، جون دو يهمس في أذن ميلز، ويحاول استفزازه وإخافته.

بعدها، يأتي على ذكر زوجته، فيفزع ميلز ويجري ليسأله: “ماذا في الصندوق؟” فيقول له: “اترك المسدس”.

وهنا، نعرف أن النهاية اقتربت ولن تكون سعيدة.

من المعلومات التي لدينا عن ميلز، نعرف أنه شخص لا يملك أي سيطرة على نفسه، فنتأكد أن كارثة ستحدث.

يخبره جون دو أنه ذهب إلى زوجته تريسي، وقاومته، وقتلها، وأخذ منها “تذكارًا” وضع رأسها في الصندوق،

وأنه فعل هذا لأنه يحسد ميلز عليها وعلى حياته الطبيعية.

خطيئة الحسد

وهذه هي الخطيئة التي عند جون دو، وهي خطيئة الحسد، التي سيموت بسببها.

نرى هنا حركة الكاميرا، فعندما تأتي على سومرست، تكون هادئة، بينما عندما تأتي على ميلز، تهتز جدًّا.

هذا يوضح حالة الاثنين: واحد قادر على التفكير بمنطق، والثاني فقد منطقه تمامًا.

بعد ذلك، يقول جون دو: “إذا قتلتني، فستكون أنت الفائز. لا تقتلني.”

وهنا، يضع فينشر في إحدى اللقطات صورة لتريسي زوجة ميلز، لقطة واحدة فقط.

هذه الأمور توضع للعقل اللاواعي، لكي يضعها في أذهاننا ويستحضر صورتها. العقل اللاواعي يلقطها.

بعد ذلك، يمسك ميلز المسدس ويطلق عليه النار، ويستمر في إطلاق النار.

وهكذا، تأتي آخر خطيئتين: جون دو مات بسبب الحسد، وميلز قتل، وسيدخل السجن،

وتدمرت حياته تمامًا بسبب الغضب، وهي الخطيئة السابعة.

الشرطة تأخذه، وينتهي الفيلم بنهاية سوداوية جدًّا، وهي النهاية التي كان المنتجون يريدون تغييرها.

بعد ذلك، يختم سومرست الفيلم بجملة يقول فيها: “الحياة مكان جميل ويستحق القتال من أجله”،

ثم يقول إنه يتفق فقط مع النصف الثاني من الجملة، أي أن الحياة تستحق القتال من أجلها، لكنها ليست جميلة.

فيلم se7en
الممثل الأمريكي الشهير كيفين سبيسي أثناء تقديمه شخصية جون دو في فيلم seven

تناقض الشخصيات

خلال الفيلم، نرى مقارنة بين ميلز وسومرست، وهما على النقيض تمامًا.

نرى أن ميلز دائمًا يرفع رأسه للأعلى، مغرور، فوضوي، متزوج، يثرثر كثيرًا، ولديه خطيئة وهي الغضب.

ونراه عندما يذهب للقبض على جون دو في بيته، يقف بجانب رقم 6، وهو رقم خطيئة الغضب.

على النقيض الآخر، نجد سومرست، الذي دائمًا ينظر للأسفل، متواضع، ومنظم، أعزب، ويهتم ويأخذ وقته في كل شيء يفعله.

والدليل على ذلك المشهد عندما كان ميلز عنده في البيت،

ويسأله: “ماذا تشرب؟” فيقول له: “بيرة”، فيعطيه كوبًا كبيرًا من البيرة، في حين أن ميلز كان يتوقع كوبًا صغيرًا،

فهو مركز في أوراقه ولا ينتبه لكمية البيرة في الكوب إلا عندما تمر شاحنة.

ونلاحظ طوال الفيلم أن سومرست لا يتكلم إلا لسبب، وهو هادئ جدًّا وصبور.

 وهذا هو التشابه بينه وبين القاتل جون دو.

جون دو في المنتصف تمامًا بين الاثنين.

سومرست طوال الفيلم يعطينا إحساسًا بأنه محبوس في هذا المكان، ويريد أن يبتعد عن هذه المدينة بأي شكل.

 في مشهد يسأله فيه ميلز: “أين ستذهب بعد التقاعد؟” فيجيب: “أي مكان بعيد عن هنا”.

إنه يكره هذه المدينة ويكره وضعها، ولا يريد أن يبقى فيها.

لهذا، طوال الفيلم نراه وكأنه محبوس بالقضبان في كل مكان يذهب إليه.

عبقرية فينشر في التفاصيل

اهتمام ديفيد فينشر بالتفاصيل شديد جدًّا في هذا الفيلم.

 مكياج جريمة الكسل كان يأخذ 14 ساعة.

 مكان جريمة الفجعة كان مليئًا بالصراصير، فقد استخدموا سبع صناديق مليئة بالصراصير الحقيقية في المشهد.

 الكتب الخاصة بجون دو، التي قلنا إنها حقيقية 100%، كلفت 15,000 دولار لكي تُصنع، رغم أنها تفصيلة لن تظهر أمام الكاميرا.

الجثة في مشهد الكسل كانت حقيقية، والضباط الذين كانوا واقفين لم يكونوا يعرفون أنها ستتحرك، وعندما تحركت، فزعوا حقًّا.

وفي النهاية، عندما نرى مشهد ميلز وهو يرى رأس زوجته في الصندوق،

نراه يمر بالمراحل الخمس للحزن على الميت في مشهد واحد فقط: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، ثم التقبل.

فلسفة الإخراج والرسالة

فينشر يعرف كيف يستخدم أدواته جيدًا.

يعرف كيف يستخدم كل شيء في المكان ليصنع فيلمًا متكاملًا.

يستخدم طوال الفيلم زاوية “low angle”، وهي الزاوية التي تكون فيها الكاميرا تحت مستوى البصر أو تحت مستوى وسط الإنسان لكي يجعلنا دائمًا نريد أن ننظر إلى الأعلى.

أيضًا، لا يرينا فينشر أي جريمة خلال الفيلم.

نحن لا نرى أحدًا يموت سوى جون دو، والكاميرا تبتعد عنه جدًّا وهو يُقتل.

كل هذا لكي يترك لخيالك المجال ليعمل، ولكي يجعلك جزءًا من الأحداث، ويريدك أن تفكر معه، ويريد أن يكون لديك دائمًا فضول.

 لو أراك كل شيء، لكان الإحساس خفيفًا جدًّا، ولكن لو ترك لخيالك أنت، فستصل النتيجة التي يريدها.

أيضًا، من ميزات الفيلم أن المدينة نفسها مجهولة.

لا يوجد أي ذكر لاسم المدينة طوال الفيلم.

الناس تساءلوا هل هي نيويورك أم لوس أنجلوس أم شيكاغو؟ كل هذا ليس مهمًّا، فالفكرة أن المدينة هي أي مدينة.

ديفيد فينشر طوال الفيلم يخدعنا.

يمنحنا شيئًا لكي نتمسك به، ثم يذهب لشيء آخر.

الناس كانوا يذهبون للفيلم متوقعين أن براد بيت هو البطل، ولكنه ليس البطل في النهاية.

البطل هو مورغان فريمان في دور سومرست.

أيضًا، لم يكن أحد يتوقع نهائيًّا أن كيفن سبيسي سيكون في الفيلم، ولكنه يظهر لنا في الفيلم.

ملخص فلسفة فيلم“Seven”

فيلم “Seven” هو فيلم عنا نحن، وعن اختلافاتنا.

عن من تحيط به ملايين الكتب ولكنه لا يقرأ، ومن يبحث عن كتاب لكي يقرأه.

وكذلك لمن لديه كل شيء، وعن من يخاف أن يكون لديه شيء لكي لا يخسره.

بالإضافة إلى أنه يتحدث عن خوفنا الذي جعلنا نحول العالم حولنا إلى شيء ملوث.

المطر الذي يهطل طوال الفيلم لن يستطيع أن ينظف هذا العالم بسبب اللامبالاة التي أصبحت سمة هذا العصر.

عنوان العصر الذي نعيش فيه هو اللامبالاة. إذا حدث شيء لشخص آخر،

فلا يهم، ما دمت أنا لست طرفًا.

جون دو هو مثال للناس الذين يمثلون بأنفسهم أنهم من أهل الأخلاق، وحكام للدين،

وحكام لمن لا يعجبهم، وهم أنفسهم فيهم نفس العيوب. يفعلون هذا لكي يغطوا على عيوبهم ونرجسيتهم.

الفيلم لا يقول إنه لا أمل في العالم، بدليل أن واحدًا مثل سومرست موجود في النهاية.

هو الإنسان الذي استمر بمنطقه، الإنسان الذي برغم أنه أبعد نفسه عن كل شيء، فإنه لا يزال لديه تعاطف مع الناس من حوله.

الفيلم يقول إن كل واحد منا إذا غير شيئًا واحدًا فقط، فمع الوقت سنقدر أن نتخلص من هذا الشر كله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى