سينما
أخر الأخبار

بستان الكرز.. كيف سقط النظام القيصري الروسي على خشبة مسرح أنطون تشيخوف؟!

الرمزية في مسرحية بستان الكرز

إن كان أنطون تشيخوف من من أعظم الكتاب الروس على الإطلاق، فإن مسرحية بستان الكرز، هي الأهم والأجمل فيما كتب من أعمال مسرحية، لاسيما أنه سطرها قبل وفاته بفترة قصيرة، فضلا عن كونها تدور حول قضية  التغير الاجتماعي والصراع الطبقي في روسيا، وما آل إليه من سقوط النظام القيصري فيما بعد في روسيا.

وجاءت مسرحية بستان الكرز على غرار روايات وقصص الأديب الروسي الشهير أنطون تشيخوف، لتجمع  بين عمق الفكرة وبراعة الحبكة القصصية  ونفاذ التحليل السياسي والاجتماعي.

كذلك  اتسمت بما ميز مسرحيات تشيخوف  واليت كانت تبدو سهلة وممتعة،  لكنها في  نفس الوقت تمتاز بالعمق.

وتعد مسرحية بستان الكرز واحدة من أهم مسرحياته، وهي المسرحية التى انتهى من كتابتها قبل سنة واحدة من وفاته في عام 1903.

لعل تشيخوف في أثناء كتابته للمسرحية شعر بدنو الأجل، لإنه في الواقع قدم في تلك المسرحية مثالل استشرافي لمستقبل روسيا، وضمن المسرحية بوصية أخيرة إلى أبناء بلاده قصتها البطلة في نهاية العمل .

قصة مسرحية بستان الكرز

تدور قصة المسرحية ،كما يشير العنوان حول بستان من الكرز، هذا البستان تملكه سيدة تدعى رانفسكايا، وهي ابنة الطبقة الإقطاعية آنذاك في نهاية الحقبة القيصرية في روسيا.

ورثت رانفسكايا  “بستان الكرز” عن والدها، فقد كانت هذه الضيعة المترامية الأطراف عبارة عن إرث عائلي بشكل أو بآخر، مما جعل هذا البستان  يرمز إلى مكانة هذه العائلة الإقطاعية .

منذ بداية المسرحية نرى أن رانفسكايا تمر بظروف مالية صعبة  للغاية، ومن ثم تتراكم عليها الديون، حتى أنها بعيد عودتها  من رحلتها  الطويلة من باريس باتت على شفير الإفلاس التام .

تحاول رانفسكايا أن تجد حلولا لمشكلتها المالية، لكنها في نفس الوقت  كانت حريصة على ألا تبيع البستان،أو تغير أي شىء في شكل البستان أو طبيعة العمل فيه، هذا العمل أصلا الذي يقع على كاهل الفلاحين والفقراء  والمعدمين وأقنان الأرض كما كان يطلق عليهم في عهد القياصرة  .

ولم تكن رانفسكايا سليلة العائلة الإقطاعية الشهيرة ترغب في بيع البستان، لأنه كان يرمز إلى تلك المكانة الاجتماعية التي ورثتها عن عائلتها .

لكن مع مرور الوقت تشتد أزمة السيدة الإقطاعية وتصل إلى طريق مسدود، لتضطر أخيرا لبيع البستان لتاجر برجوازي هو لوبوكين  الذي  كان يقترح على السيدة أن تعطي له جزء من البستان لبناء  عدد من الفيلات عليه، لكنها كانت قد رفضت تلك  الشراكة .

لكن في النهاية  اضطرت للبيع ليقوم روبو كين بقطع أشجار الكرز فور إتمام الصفقة وقبل أن تغادر السيدة وعائلتها الضيعة، لإقامة مشروع  استثماري ريعي بامتياز عبارة بناء فلل وبيعها للطبقة البرجوازية  التي كانت في طور التشكل في ذلك الوقت.

الرمزية في مسرحية بستان الكرز

بالطبع كل من قرأ  مسرحية بستان الكرز  لم يتكلف عناء  اكتشاف أن  هذه القصة رمزية بامتياز، وأن أنطون تشيخوف يتحدث عن روسيا ، وعن المتغيرات التي طرأت على الواقع الاجتماعي  الاقتصادي الروسي آنذاك.

 ورمز تشيخوف لوسيا ببستان الكرز ، التي ظلت لفترة طويلة ترزح  تحت سلطة وهيمنة الطبقة الإقطاعية وطبعا نظامها الاقتصادي القائم على ملكية الأراضي، وعلى مايشبه الاستعباد أو نظام القنانة واستغلال المزارعين  والفلاحين البسطاء .

 ويخبرنا تشيخوف في المسرحية أن هذا النظام الإقطاعي بدأ يترنح بعد ظهور أنماط اقتصادية جديدة  وعصرية ، مما أدخل طبقة الإقطاع في  صراع مصيري سواء مع المحيط أو حتى مع نفسها .

وترمز الديون على البستان واضطرار  المالكة لبيعها ، ترمز إلى تلك المتغيرات التي طرأت على المشهدج الاقتصادي  والاجتماعي الروسي .

 أما رامفسكايا سليلة العائلة الإقطاعية ، فهي من الطبيعي ترمز شخصيتها إلى طبقة الملاك ، وإلى  الترف الطبقى  وأدى بها إلى وضع مأزوم  في تلك الفترة من عمر روسيا.

 والوضع المالي لرانيفسكايا يشير إلى بدء انهيار النظام الاقطاعي في روسيا ، فيما يشير تمنع رانفسكايا عن بيع البستان إلى مكابرة  هذا  النظام أمام طوفان المتغيرات التي تشهدها البلاد.

تلك المكابرة يرينا من خلالها تشيخوف سطحية وعنجهية  وعجرفة هذه الطبقة ، والتي جعلتها لا تقرأ الواقع المتغير والمهدد لمكانتها في المجتمع ، حتى اضطرت لتقديم التنازلات تلو التنازلات .

أحد العروض المسرحية العالمية لبستان الكرز

في حين أن لو بوكين وهو تاجر جشع يرمز إلى الطبقة البرجوازية  الناشئة في روسيا في ذلك الوقت ، ونرى لوبوكين في المسرحية دائم الحديث بحماسة منقطعة النظير  عن  المرحلة الجديدة من الاقتصاد وما هو قادم في روسيا ، وهو النظام البرجوازي الرأسمالي  الذي سيضع روسيا كما يعتقد لوبوكين في مكان أفضل لأن النمط البرجوازي للاقتصاد برأيه يعود بأموال طائلة وسريعة .

ويركز تشيخوف بشخصية لوبوكين على القيم البرجوازية ، وهي القيم الرأسمالية التي لا تهتم إلا بالربح المادي ولو على حساب القيم الإنسانية والذوق العام والجمال .

وترمز مسألة قطع أشجار الكرز من جانب لوبوكين إلى الكيفية التي أصبح يأخذ بها النظام الجديد مكان الجديد، وكأن البرجوازية بدأت بقطع جذور الإقطاع .

وبحسب النقاد بقيت رمزية مضمرة في ذهن وقلب تشيخوف، وهي التي دفعته لكتابة هذه المسرحية ، فربما وهو يراقب ذلك الصراع المحتدم ، مابين إقطاع قديم لا يعرف الوطن إلا من خلال نظرته للبستان كملكية خاصة، ومن بين نظام جديد لا يرى الوطن إلا كسوق عمل يدر أكبر قدر من الربح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى