زواج الصفقة.. كيف نتجنب الخسارة على الطريقة الأمريكية؟

لا شك أن مايسمى بزواج الصفقة جاء نتيجة انتشار الثقافة الأمريكية التي طغت على العالم كما السياسة،
لتسيطر فكرة الزواج على الطريقة الأمريكية على المجتمعات،وتصبح بعدها السبب الرئيسي في ارتفاع حالات الطلاق عالميًا.
وفي ظل تفاقم نسب الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأربعة الأخيرة بشكل ملحوظ،
إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي نصف الزيجات تنتهي بالطلاق،
إن لم تنتهِ بوفاة أحد الشريكين على يد الآخر بسبب المشاكل الأسرية والمالية التي تنشب بينهما.
الأمر الذي جعل محامي الأحوال الشخصية في الولايات المتحدة يتصدرون شاشات وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي،
لإسداء النصائح والحديث عن أهم الشروط التي يجب أن يتبعها المقبلون على الزواج، لضمان نجاح واستمرار العلاقات.
وكان غريبًا للغاية تلك المفاهيم التي يصفون بها عقود الزواج والتي اعتبروها كاليانصيب الصفقات التجارية أو القروض البنكية
وحتى عقود شراء المنازل، التي يجب أن يعرف كل طرف كل بند فيها ويفهمه، لنكتشف أنهم يتحدثون عن زواج الصفقة.
الزواج مثل اليانصيب
جاءت أولى النصائح من المحامي روس جولر، المتخصص في قضايا الطلاق والأحوال الشخصية في ولاية نيويورك،
إذ قال إنه على الشخص المقبل على الزواج أن يعرف جيدًا أن عقد القران يشبه إلى حد بعيد اليانصيب،
ومن الممكن ألا تفوز فيه،لكن عندما تفوز فإنك تجني بالطبع مكاسب كبيرة للغاية،
لذلك فالأمر يستحق التجربة، ويجدر بك قطع تذكرة في قطار الزواج للقيام بجولة.
وأضاف: “كما تعلمون، فإن 53% من العلاقات الزوجية تنتهي بالطلاق في ولاية نيويورك،
لذلك إذا قلت لك إن هناك 53% من الفرص خرجت من الباب الأمامي اليوم فقد تضرب رأسك بكرة بولينج،
فأنت إما ستبقى بالداخل أو على الأقل سترتدي خوذة.
وكما نعلم فإنه لكي نشتري منزلًا فإننا نملأ 50 نموذجًا، من المهم أن نستوعب ما بهم ونفهمه جيدًا.”
وأضاف كذلك: “الأمر ذاته عندما تحصل على قرض، فيجب عليك أن تكون على دراية كاملة بالشروط الخاصة به.
لكن الحقيقة أن معظم الناس تدخل الزواج، والذي يعتبر أهم عقد قانوني في حياتنا،
دون أن يكون لدينا أدنى فكرة عما يتضمنه هذا العقد.
وهذا على عكس الواقع؛ حيث إن الكثير منا يضيعون وقتًا طويلًا لمعرفة نوع الكعكة التي يجب أن يحصلوا عليها عند الدخول للمطعم،
فيما لا يقضون أي وقت لمعرفة تفاصيل عقد الزواج، وهو الأمر الغريب حقًا. لذلك علينا أن نأخذ الأمر بجدية.”
عقد قانوني
أما المحامية يوندا ماهو فقالت: “بالطبع أنتِ لست محامية طلاق ولا تعلمين أو تعرفين تفاصيل كل شيء،
ولكني أرى الكثير من الناس يندفعون إلى الزواج دون معرفة الشخص أو حتى دون التفكير في معرفة عواقب ذلك.”
وأضافت: “إذا كنتِ تريدين أن تكوني مع شخص ما، فيجب عليكِ أن تختاري شخصًا اجتماعيًا ومنفتحًا وألا تختاري ذلك المنطوي على نفسه.
ومن الأهمية بمكان أن تصلكِ هذه التنبؤات مبكرًا، فأنتِ لن تتغيري كثيرًا لمجرد أنكِ تزوجتِ،
وعلى الأرجح لن يتغير الشخص الذي تتزوجين به كثيرًا أيضًا.”
وأعربت “ماهو”، عن اعتقادها أن أحد أهم المحادثات التي يجب أن تجريها مع شريكك قبل الزواج يتعلق بمواردك المالية.
“فيجب أن يكون هناك إفصاح مالي إلزامي، لأن معظم الناس يكسبون أموالهم الخاصة،
وبحلول الوقت الذي يتزوجون فيه يكون لديهم حسابات مصرفية، ويدخلون في متاهات تتعلق بقروض الطلاب أو ديون بطاقات الائتمان.
وهذه كلها أشياء مهمة يجب معرفتها عن الشخص الذي ستتزوجين منه.”
تجارب الطلاق
أما قصص أصحاب تجارب الطلاق، فقد علّق دانييل على أحد فيديوهات المحامين
قائلًا: “هذا الفيديو له صدى عميق لدي، لأني تزوجت حبيبتي في المدرسة الثانوية، وبعد 5 سنوات من الزواج، خرجت هي من الزواج عدة مرات.”
وأضاف: “حاولت إصلاح العلاقة على مدار عامين كاملين، لأدرك في نهاية المطاف أن الحالة لا يمكن إصلاحها خلال عامين فقط،
لذلك طلبت الطلاق.”
وتابع: “كان هناك الكثير مما حدث خلال هذين العامين، وأشعر بالغباء الشديد؛
لأنني قضيت كل ذلك الوقت في محاولة إصلاح ما لم أستطع فعله بمفردي.
لذلك أرى أن تلك النصائح التي أسداها المحامون مهمة للغاية، فيجب أن تبحث عن شخص تعرف من هو فعلًا وما هي قيمه.”
وأوضح دانييل أن طليقته تبين لاحقًا أنها مصابة باكتئاب ثنائي القطب غير مشخص،
وكانت لديها العديد من صدمات الطفولة الأخرى التي لم تواجهها،
قائلًا: “لكنني لم أكن أعرف كيف أفهمها، كما أنني لم أكن أعرف تمامًا من كنت أنا بعد المدرسة الثانوية مباشرة،
لذلك عليك أن تعرف نفسك أولًا ثم أعرف ما تسعى إليه.”
اتفاق ما قبل الزواج
أما ريان باركر، فقد قال: “أعتقد أن اتفاقية ما قبل الزواج هي طريقة استباقية للتأكد من أنك على نفس الصفحة من الناحية المالية قبل الزواج،
لكنها ليست حماية مطلقة، لأنه في الغالب ما يتم التنازل من قبل الأزواج السابقين في المحكمة طوال الوقت.
لذلك لا يزال من المهم إبطاء الأمور والتأكد من أنك لا تتزوج من شخص سيستفيد منك ماديًا.”
وقال نيك إف: “عندما طلبت من صديقتي التي ارتبطت بعلاقة معها لمدة 3 سنوات أن نتزوج،
لأننا كنا نتعايش بشكل رائع، ولم نتشاجر أبدًا، ونساعد بعضنا البعض وظهرنا جيدين حقًا، رفضت طلبي.
عندها قلت كيف يمكن تفسير ذلك؟ فقالت إنها ستفقد إعانة الضمان الاجتماعي من زوجها الأول إن تزوجتني،
حينها عرفت أنني متورط مع شخص يقدر المال أكثر من الحب، ثم بدأ السلوك العدواني السلبي، والتقليل من القيمة.”
تقسيم الأصول
أما تيم شوك، فقال إنه طلق زوجته بعد 15 عامًا، عندما أدركا أنهما يتحركا في طرق مختلفة،
موضحًا أنه لم يكن هناك عداء ولا ندم ولم يتورطا مع محامين.
وأضاف: “لقد نضجنا بما يكفي لتقسيم الأصول بيننا، والقيام بواجبات الرعاية الخاصة بالأطفال بدون مدفوعات إضافية،
موضحًا أنه عندما احتاج أحدنا إلى مساعدة الآخر مدّ يده إليه،
وكلانا في مكان أفضل الآن، وأطفالنا – خريجو جامعات سعداء بحياة متوازنة.”
زواج الوشم
أما إيميلي إن، فتقول: “أشعر أن الزواج يشبه الوشم، فقد كان التزامًا مدى الحياة، ولكن لدينا الآن إجراءات متعددة متاحة لإزالة الوشم،
لذلك يعتقد الناس أنه يمكنهم فعل ذلك فقط إذا سئموا منه وكذلك الحال مع الطلاق.
ومع ذلك، فإن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا ومكلفًا ومؤلمًا وقد يترك أثرًا إلى الأبد.”
وقالت لورا روزموندا: “لقد أحببت النصيحة الأخيرة، تمسك بهذا الشعور بأن تكون زيجتك مشجعة،
فصحيح أن دعم وتشجيع بعضكما البعض يؤدي إلى أن النمو الفردي يجعلكما أقرب، ولا يدفعكما بعيدًا عن بعضكما.”
فيما أكدت كورين فولر، أنها تعمل كمعالجة للمشاكل الزوجية، وأنها تتفق تمامًا مع ما صدر عن المحامين،
“لأن الأمر يتعلق بمن هم الأشخاص والأهداف التي يمكن أن تجعل شيئًا ما ناجحًا.”
علاقة إنسانية
في النهاية يتضح جليًا من التجارب والنصائح المستعرضة أن أغلب الحالات مثال لزواج الصفقة ،
إذ أن التركيز ينصب غالبًا على الجوانب المادية والتعاقدية،
سواء تعلق الأمر بالديون، القروض، أو تقسيم الأصول.
هذه المقاربة، التي تشبه صفقات الأعمال أو حتى “يانصيب” المكاسب المادية،
قد تكون نافعة وضرورية عند إبرام العقود المالية كشراء منزل أو الحصول على قرض بنكي،
حيث تتطلب وضوحًا تامًا للشروط والبنود لضمان حقوق الأطراف.
لكن، وبالقطع، فإن هذه المبادئ القائمة على “المصلحة” أو “الصفقة” قد لا تكون صالحة بالمرة لتشكيل علاقة زواج ناجحة.
فالزواج ليس مجرد عقد قانوني لتوزيع الأصول أو تقاسم الديون، بل هو علاقة إنسانية عميقة تقوم على الحب،
التفاهم، الدعم العاطفي، والثقة المتبادلة.
إن نجاح العلاقة الزوجية يتجاوز بكثير مجرد زواج الصفقة المقيد بالشروط المادية؛
لإنها بناء لشراكة حياتية مستمرة تتطلب التضحية، التعاطف،
والقدرة على مواجهة التحديات معًا بروح الفريق، بعيدًا عن أي حسابات مادية بحتة
قد تحوله إلى مجرد “مزاد” أو “حقل تجارب” للمصالح الشخصية.