تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل في الوطن العربي
يتطور الذكاء الاصطناعي بشكل سريع جداً ويتوسع يومياً في مجالات العمل والمهام التي يستحوذ عليها من البشر،
فكيف سيكون تأثيره على سوق العمل في الوطن العربي؟.
الآن أصبح بإمكان أي شخص استخدام الذكاء الاصطناعي وتكليفه بمهام قد تستغرق وقتاً طويلاً إن نفذها البشر،
ولكن الذكاء الاصطناعي يستطيع الآن تنفيذها في دقائق أو حتى في ثوانٍ.
إنجاز الأعمال بسرعة وكفاءة هو جانب إيجابي للذكاء الاصطناعي، لكن ماذا عن المخاطر وزيادة الحديث عنها خلال الفترة الأخيرة؟
في الوطن العربي، حيث يعتمد الاقتصاد على مزيج من الصناعات التقليدية والحديثة،
يثير هذا التطور تساؤلات حول مستقبل ملايين الوظائف، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب
التي تصل في بعض الدول إلى 25-30%.
هل سيكون الذكاء الاصطناعي محركاً للنمو الاقتصادي، أم أنه سيفاقم الفجوات الاجتماعية؟
في هذا التقرير، نستعرض التأثيرات المتوقعة على سوق العمل العربي، مدعومين بآراء خبراء إقليميين وعالميين،
وملخصات أبحاث أكاديمية غربية تكشف عن التحديات والفرص في الاقتصادات النامية.
الذكاء الاصطناعي في الاقتصادات العربية
في السنوات الأخيرة، شهد الوطن العربي استثمارات هائلة في الذكاء الاصطناعي كجزء من استراتيجيات التحول الرقمي،
مثل “رؤية 2030″ في السعودية و”دبي الذكية” في الإمارات.
وفقاً لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية (ILO) في سبتمبر 2025،
يُتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز 14.6% من الوظائف في الدول العربية (حوالي 8 ملايين وظيفة)، من خلال تعزيز الإنتاجية بدلاً من استبدالها بالكامل.
ومع ذلك، يحذر التقرير من فقدان بعض الوظائف في القطاعات الروتينية مثل التصنيع والخدمات الإدارية،
مما يتطلب سياسات شمولية لضمان عدم ترك أحد خلف التحول الرقمي.
في الإمارات والسعودية، على سبيل المثال، يُقدر أن الذكاء الاصطناعي سيضيف 320 مليار دولار إلى الاقتصاد الإقليمي بحلول 2030،
وفقاً لتقرير PwC، لكنه سيؤثر على 20-45% من الوظائف الحالية، خاصة في قطاعات النفط والتجزئة.
هذا التناقض بين الفرص والمخاطر يجعل المنطقة نموذجاً للاقتصادات النامية،
حيث يعتمد الاقتصاد على قوة عمل شابة ولكنها غالباً ما تفتقر إلى المهارات الرقمية المتقدمة.
الوظائف المعرضة للخطر والفرص الجديدة
تشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيتأثر بالوظائف الروتينية أكثر من الإبداعية.
في السعودية، على سبيل المثال، يُتوقع استبدال 20.5% من الوظائف بالكامل بحلول 2030،
خاصة في التصنيع والإدارة، وفقاً لتقرير البنك الدولي.
أما في مصر والأردن، حيث تعتمد الاقتصادات على الزراعة والخدمات، فقد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى إعادة توزيع الوظائف
نحو قطاعات مثل الرعاية الصحية الرقمية والتجارة الإلكترونية.
من الجانب الإيجابي، يُتوقع خلق وظائف جديدة في مجالات مثل تطوير الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات،
مع زيادة الطلب على المهارات الرقمية بنسبة تصل إلى 30% في دول الخليج.
ومع ذلك، يبرز تقرير صندوق النقد الدولي (IMF) لعام 2024 أن الدول النامية تواجه مخاطر أقل من المتقدمة (40% مقابل 60% من الوظائف المعرضة)، لكن الفجوة في البنية التحتية الرقمية قد تعمق التفاوتات.
آراء الخبراء: بين التحذير والتفاؤل
تُعد الدكتور روبة جرادات، مديرة منظمة العمل الدولية للدول العربية، من أبرز الخبراء الذين يؤكدون على الإمكانيات الإيجابية.
في تصريحاتها لتقرير ILO 2025، قالت: “التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لا يعنيان بالضرورة تدمير الوظائف في المنطقة العربية.
بينما ستُفقد بعض الوظائف، سيتم تعزيز أخرى أو إنشاء جديدة، لكن المنافع الحقيقية
تتطلب خطوات متعمدة من الحكومات وأرباب العمل والعمال لجعل التحول شاملاً وعادلًا.”
أما في الإمارات، ترى الدكتورة نور عيطان، مديرة الذكاء الاصطناعي في “بوفا العربية”،
أن “الذكاء الاصطناعي يعزز الكفاءة في الرعاية الصحية، لكنه يتطلب تدريباً مكثفاً للقوى العاملة لتجنب الاستبعاد”.
وفي السعودية، يحذر الدكتور أكرم عوض، شريك في BCG، من “الانفصال بين المهارات التقليدية والرقمية،
مما قد يزيد من البطالة بين الشباب إذا لم تُفعّل البرامج التعليمية”.
هذه الآراء تتردد في منتديات مثل “Fast Company Middle East”، حيث يناقش قادة الأعمال الحاجة
إلى سياسات حكومية تدعم إعادة التأهيل.
على الصعيد العالمي، تؤكد كريستينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي،
في مدونتها لعام 2024: “الذكاء الاصطناعي سيؤثر على 40% من الوظائف العالمية،
لكنه سيزيد الإنتاجية للعاملين ذوي المهارات الرقمية، مما يقلل من الطلب على العمالة غير الماهرة في الدول النامية.”
ملخصات أبحاث أكاديمية غربية: دروس للعالم العربي
تُقدم الأبحاث الغربية رؤى قيمة للاقتصادات النامية مثل العربية، حيث تُظهر أن التأثير أقل حدة
بسبب الحواجز مثل التكاليف العالية للتكنولوجيا والقوة العاملة الرخيصة.
في دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية (PMC) عام 2023 حول فيتنام ولاوس،
يُظهر الباحثون أن “التأثير الحقيقي للذكاء الاصطناعي على الوظائف في الدول النامية يُقلل من الحواجز مثل نقص الرأسمال البشري العالي الجودة،
مما يحد من الاستبدال الآلي بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالدول المتقدمة”.
هذا ينطبق على المنطقة العربية، حيث يعتمد 30% من الوظائف على الزراعة غير الآلية.
أما دراسة IMF لعام 2023 بعنوان “Labor Market Exposure to AI”،
فتُظهر أن “في الدول الناشئة، يبلغ التعرض للذكاء الاصطناعي 40%،
مع تركيز على المهن ذات المهارات العالية مثل المهنيين، لكن النساء والشباب أكثر عرضة للاستبدال في الوظائف الإدارية”.
كما تُبرز دراسة NBER لعام 2025 أن “التعويض بين الاستبدال والإنتاجية
يحد من فقدان الوظائف بنسبة 20-30% في الشركات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي”.
في بحث VoxDev لعام 2024، يُؤكد الباحثون أن “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوسع الفجوات في الدول النامية،
لكنه يخلق فرصاً في الإنتاجية إذا تم دعمه بسياسات تعليمية، مع مخاطر أعلى للنساء في الدول ذات الدخل المتوسط العالي”.
هذه الملخصات تُشير إلى أن المنطقة العربية يمكنها الاستفادة من نموذج “التكامل” بدلاً من “الاستبدال”، كما في نموذج الولايات المتحدة.
التحديات والحلول: نحو مستقبل شامل
تواجه المنطقة تحديات مثل نقص المهارات الرقمية (يفتقر 70% من الشباب إليها، وفق ILO) والتفاوت الجنسي،
حيث تُعرض النساء لخطر أكبر في الوظائف الإدارية.
كما يُحذر تقرير World Bank لعام 2025 من أن “الفجوة الرقمية قد تقلل من الفرص في الدول ذات الدخل المنخفض مثل اليمن وسوريا”.
للتخفيف، يُوصي الخبراء ببرامج إعادة التأهيل مثل “أكاديمية طويق” في السعودية و”مهارة” في مصر،
بالإضافة إلى سياسات حكومية تشمل الدعم المالي للعاطلين ودمج الذكاء الاصطناعي في المناهج التعليمية.
كما يُشدد تقرير IMF على “مؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي” الذي يقيس الاستعداد في البنية التحتية والتعليم،
محذراً من أن الدول العربية تحتاج إلى تحسينه لتحقيق نمو مستدام.
الذكاء الاصطناعي فرصة لا تهديد
في الختام يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يُمثل تحولاً حاسماً لسوق العمل في الوطن العربي،
حيث يمكن أن يدفع النمو الاقتصادي بنسبة 0.6% فوق الخط الافتراضي في السعودية وحدها، لكنه يتطلب إجراءات فورية لتجنب الاستبعاد.
كما قالت الدكتورة جرادات: “المنافع الحقيقية تتحقق فقط إذا كان التحول عادلاً”.
مع التركيز على التعليم والسياسات الشمولية، يمكن للمنطقة تحويل التحدي إلى فرصة، مضمونةً مستقبلاً مهنياً لأجيالها الشابة.
لذا فإن الآن، هو وقت التعلم والعمل قبل فوات الأوان.



