مسرح

وفاة بائع متجول.. عندما سقطت الرأسمالية الأمريكية على مسرح أرثر ميلر

تُعد مسرحية “وفاة بائع متجول” (Death of a Salesman) للكاتب المسرحي الأمريكي أرثر ميلر، التي عُرضت لأول مرة عام 1949، إحدى أهم المسرحيات في الأدب الأمريكي الحديث.

وهي تحفة خالدة لا تزال تُدرس في الجامعات وتُعرض على خشبات المسارح حول العالم.

تتجاوز أهمية المسرحية مجرد كونها عملًا فنيًا، لتصبح مرآة عاكسة لتحديات المجتمع الأمريكي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

تكمن أهميتها في الأدب الأمريكي في عدة جوانب:

تقدم المسرحية نقدًا لاذعًا ومؤثرًا لـ”الحلم الأمريكي”**، وهو المفهوم الذي بنى عليه الملايين آمالهم وطموحاتهم.

 فبدلاً من أن يكون الحلم طريقًا للرخاء والسعادة، تُظهره المسرحية على أنه وهم زائف يؤدي إلى اليأس والتحطم.

شخصية ويلي لومان، البائع المتجول الذي أفنى حياته في السعي وراء النجاح المادي والقبول الاجتماعي، تجسد هذا النقد العميق.

ومسرحية وفاة بائع متجول تُبرز الجانب المظلم للرأسمالية الأمريكية التي تُقدّر النجاح المادي فوق القيم الإنسانية، وتُلقي بالفرد جانبًا عندما تتراجع إنتاجيته.

شخصيات مسرحية “وفاة بائع متجول” لأرثر ميلر

مسرحية “وفاة بائع متجول” (Death of a Salesman) لأرثر ميلر تضم مجموعة من الشخصيات الرئيسية والثانوية التي تشكل نسيج القصة المؤثر. إليك أبرز هذه الشخصيات:

الشخصيات الرئيسية:

ويلي لومان (Willy Loman): هو بطل المسرحية المأساوي، بائع متجول في الستينات من عمره، يعيش على أوهام النجاح في الماضي،

ويصارع مرارة الفشل في الحاضر. يتذبذب بين الواقع والذكريات، مما يؤثر على علاقته بعائلته.

ليندا لومان (Linda Loman): زوجة ويلي الوفية والمخلصة، تحاول جاهدة دعم زوجها وحمايته من الانهيار، وتتفهم صراعاته النفسية رغم كل شيء.

بيف لومان (Biff Loman): الابن الأكبر لويلي وليندا. كان رياضيًا موهوبًا في المدرسة الثانوية،

لكنه لم يتمكن من تحقيق أحلام والده أو إيجاد طريقه في الحياة، مما يسبب له صراعًا داخليًا مع نفسه ومع أبيه.

هابي لومان (Happy Loman): الابن الأصغر لويلي وليندا. يعمل مساعدًا لمدير في متجر كبير، ويبدو أكثر نجاحًا من أخيه بيف ظاهريًا،

لكنه يعاني من الوحدة والفراغ ويبحث عن التقدير، غالبًا ما يتبع خطى والده في التعامل مع الواقع.

الشخصيات الثانوية:

تشارلي (Charley): جار ويلي وصديقه، وهو رجل أعمال ناجح وعملي. يقدم الدعم المالي والمعنوي لويلي باستمرار، على الرغم من أن ويلي يرفض الاعتراف بنجاحه أو قبول مساعدته بشكل كامل.

برنارد (Bernard): ابن تشارلي وصديق بيف في الطفولة. يمثل نموذجًا للنجاح الأكاديمي والمهني، حيث يصبح محاميًا ناجحًا، وهو ما يتناقض مع فشل بيف في الدراسة والعمل.

بن لومان (Ben Loman): شقيق ويلي الأكبر المتوفى، يظهر لويلي في ذكرياته كشخصية ثرية وناجحة

بعد أن ذهب إلى إفريقيا بحثًا عن الألماس. يمثل بن بالنسبة لويلي رمزًا للفرصة الضائعة والنجاح الذي لم يحققه.

هاورد واجنر (Howard Wagner): رئيس ويلي في العمل، وهو شاب ورث الشركة عن والده. يقوم بطرد ويلي من وظيفته، مما يسلط الضوء على تغير القيم في عالم الأعمال.

المرأة (The Woman): عشيقة ويلي في بوسطن، تظهر في ذكريات ويلي وتمثل جزءًا من ماضيه الذي أثر على علاقته ببيف.

ستانلي (Stanley): نادل في المطعم الذي يلتقي فيه ويلي وأبناؤه.

ليتا (Letta) وميس فورسايث (Miss Forsythe): فتاتان يلتقي بهما هابي وبيف في المطعم

وفاة بائع متجول
المؤلف المسرحي أرثر ميلر والممثلة الأمريكية مارلين مونرو

موضوعات مسرحية “وفاة بائع متجول” لآرثر ميلر

مسرحية “وفاة بائع متجول” (Death of a Salesman) لأرثر ميلر هي عمل درامي ثري بالموضوعات العميقة،

والتي تعكس جوانب متعددة من المجتمع الأمريكي والصراعات الإنسانية.

فشل الحلم الأمريكي

هذا هو الموضوع المحوري للمسرحية.

آثر ميلر جعل هذه المسرحية  تجسيدا لزيف فكرة الحلم الأمريكي،

المتمثل في أن العمل الجاد والمثابرة سيؤديان حتمًا إلى النجاح المالي والسعادة – ماهي إلا وهم مدمر.

طوال أحداث المسرحية  يلاحق بطلها ويلي لومان  هذا الحلم بشكل أعمى،

معتقدًا أن الشعبية والشخصية الجذابة هي مفاتيح النجاح، متجاهلاً أهمية الكفاءة والواقعية.

 لذلك فإن نهايته المأساوية هي نتيجة مباشرة لهذا الوهم.

الأوهام و الواقع

مسرحية  وفاة بائع متجول تتناول الصراع المستمر بين الأوهام التي يبنيها الأفراد لأنفسهم والواقع القاسي.

إذ يعيش ويلي في عالم من الأوهام يتعلق  بنجاحه في الماضي وحول مستقبل أبنائه، خاصة بيف.

هذه الأوهام تحجب عنه  رؤية الحقيقة واتخاذ قرارات عقلانية، مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية وعلاقاته الأسرية.

العلاقات الأسرية المضطربة

تُبرز المسرحية بشكل مكثف ديناميكيات الأسرة المعقدة والمليئة بالتوتر.

العلاقة بين ويلي وابنه بيف هي جوهر الصراع العائلي، حيث تتأرجح بين الحب والخيبة.

تأثير أوهام ويلي وتوقعاته غير الواقعية على أبنائه يُظهر كيف يمكن للآمال غير المحققة أن تدمر الروابط الأسرية.

الوالدية وتأثيرها

يُعد موضوع الوالدية السيئة أو المتصدعة حاضرًا بقوة.

فأسلوب ويلي في التربية، القائم على غرس قيم زائفة وأوهام النجاح السهل، يؤثر سلبيا على أبنائه بشكل كبير.

لذلك يعاني بيف من عواقب هذه التربية، حيث يشعر بالضياع وعدم القدرة على تحقيق ذاته ،

بعد أن يكتشف زيف أحلام والده.

الرأسمالية وقسوة عالم الأعمال

تنتقد المسرحية الجانب القاسي من الرأسمالية الأمريكية.

ومسرحية “وفاة بائع متجول” تُظهر كيف يمكن للنظام الرأسمالي أن يتجاهل الأفراد ويُهمشهم بمجرد أن يصبحوا غير منتجين.

طرد ويلي من وظيفته بعد عقود من الخدمة يعكس قسوة عالم الأعمال،

الذي لا يرحم كبار السن أو الذين تراجعت قدراتهم.

البحث عن الهوية والمعنى

تكافح شخصيات المسرحية، وخاصة بيف، للعثورعلى هويتهم ومعنى لوجودهم

بيف يرفض اتباع مسار والده ويحاول اكتشاف ما يريده حقًا في الحياة،

حتى لو كان ذلك يعني قبول حياة بسيطة بعيدًا عن تطلعات والده المادية.

التغيير وتقدم العصر

تُظهر المسرحية الصراع بين الجيل القديم الذي يمثل ويلي، والذي يكافح للتكيف مع التغيرات السريعة في المجتمع، والجيل الجديد.

تقنيات البيع القديمة  التي يتبعها ويلي لم تعد فعالة في عالم الأعمال الحديث، مما يعمق شعوره بالفشل والعجز.

ملخص مسرحية “وفاة بائع متجول” لأرثر ميلر

تبدأ أحداث مسرحية “وفاة بائع متجول” للكاتب الأمريكي أرثر ميلر، التي عُرضت أول مرة عام 1949،

عندما يعود ويلي لومان، البائع المتجول، إلى منزله في بروكلين مبكرًا من رحلة مبيعات.

 كان ويلي في الثالثة والستين من عمره، وقد فقد راتبه وأصبح يعمل بالعمولة فقط.

في تلك الرحلة، فشل في بيع أي شيء، مما أضفى على نفسه شعورا بالكآبة.

في تلك الأثناء عاد ابنه بيف مؤخرا إلى المنزل، والذي كان يعمل في المزارع بجميع أنحاء الغرب لأكثر من عقد من الزمان؛

لبدء حياته من جديد.

ويلي يعتقد  أن بيف لم يرتقِ إلى مستوى إمكاناته.

ولكن كما كشف بيف لأخيه الأصغر هابي، الذي يعمل مساعدًا في متجر متعدد الأقسام،

فإنه يشعر بالرضا عن العمل في الهواء الطلق أكثر من محاولاته السابقة للعمل في مكتب.

وبينما كان ويلي وحده في مطبخه، يتذكر عودة سابقة له من رحلة عمل،

عندما كان بيف وهابي صبيين، وكانا ينظران إليه كبطل.

يقارن ويلي نفسه وأبناءه بجاره تشارلي، رجل الأعمال الناجح، وابنه برنارد، الطالب الجاد.

على الرغم من ذلك في رأي ويلي، يفتقر تشارلي وبرنارد إلى الكاريزما الطبيعية التي يمتلكها رجال عائلة لومان،

والتي يعتقد ويلي أنها المحدد الحقيقي للنجاح.

لكن في ظل استجواب زوجته ليندا، يعترف ويلي أن عمولته من الرحلة الأخيرة  كانت صغيرة جدًا ،

لدرجة أنهم لن يكونوا قادرين على دفع جميع فواتيرهم، وأنه يشك كثيرًا في نفسه.

وحتى عندما تطمئنه ليندا، فإنه يسمع  بينه وبين نفسه ضحك من يسميها “المرأة” (وهي عشيقته في بوسطن) يرن في أذنيه.

يأتي الجار تشارلي ليرى ما إذا كان ويلي بخير، عقب سماعه أنباء عن مرضه.

وبينما هما يلعبان الورق، يبدأ ويلي الحديث مع أخيه بن الذي توفي مؤخرًا،

والذي غادر منزل أبيهما في سن السابعة من عمره وصنع ثروة هائلة من مغامرة اتنقيب عن الألماس في إفريقيا وألاسكا.

يعرض تشارلي على ويلي وظيفة، لكن ويلي يرفض بدافع الفخر،

على الرغم من أنه كان يقترض المال من تشارلي كل أسبوع لتغطية نفقات المنزل.

في نفس الوقت ويلي ينتابه شعورا بالندم واضعا مقارنة بين نفسه وبين أخيه بن وأبيهما الغامض والمغامر،

الذي تخلى عنهما عندما كانا صغيرين.

وفاة بائع متجول
مسرحية وفاة بائع متجول للكاتب الأمريكي أرثر ميلر

تدهور الحالة العقلية

وبينما كان ويلي يتجول في فناء منزله الخلفي محاولًا رؤية النجوم، تناقش ليندا تدهور حالة ويلي العقلية مع الأولاد.

 تكشف ليندا  أن زوجها  حاول الانتحار مرتين من قبل،

مرة في حادث سيارة ومرة أخرى عن طريق استنشاق الغاز من خلال خرطوم مطاطي على المدفأة.

يوافق بيف وهو منزعج على البقاء في المنزل ومحاولة اقتراض المال من صاحب عمله السابق بيل أوليفر،

من أجل بدء عمل تجاري للسلع الرياضية مع هابي، مما يرضي والدهما.

يشعر ويلي بسعادة غامرة من هذه الفكرة ويقدم لبيف بعض النصائح المتضاربة وغير المتماسكة حول كيفية طلب القرض.

في صباح اليوم التالي، وبناءً على إلحاح ليندا، يذهب ويلي إلى رئيسه هاوارد واجنر

ويطلب وظيفة في مكتب نيويورك بالقرب من المنزل.

على الرغم من أن ويلي كان يعمل لدى الشركة منذ فترة طويلة تتعدى عمر هاوارد بالكامل ،

فإن هاوارد يرفض طلب ويلي.

يواصل ويلي التوسل إلى هاوارد بإلحاح متزايد حتى يوقف هاوارد ويلي عن العمل نهائيًا.

يذهب ويلي، وهو تحت تأثير الشعور بالإهانة، لاقتراض المال من تشارلي في مكتبه.

هناك يلتقي برنارد ابن تشارلي، وهو الآن محامٍ ناجح،

في حين أن أعظم شيء حققه بيف، ابن ويلي، هو لعب كرة القدم في المدرسة الثانوية.

بيف وهابي يرتبان  للقاء أبيهما ويلي لتناول العشاء في مطعم يسمى “فرانكس شوب هاوس” للتخفيف عنه ، كما أوصت الأم.

 قبل وصول ويلي، يعترف بيف لهابي أن أوليفر تعامل معه بفظاظة،

عندما حاول طلب القرض منه، فرد بيف بسرقة قلم أوليفر.

ينصحه هابي بالكذب على ويلي من أجل الحفاظ على أمله حيًا.

يجلس ويلي على الطاولة ويعترف على الفور بأنه قد طُرد من العمل،

لذا من الأفضل أن يسمعه بيف بعض الأخبار السارة ليحملها إلى ليندا في المنزل.

ذكريات مؤلمة

يتجادل بيف وويلي، فتطغى ذكريات مؤلمة من الماضي على ويلي فجأة.

يدأ ويلي في الترنح  وهو ذاهب إلى الحمام، وشرع يتذكر نهاية مسيرة بيف في المدرسة الثانوية،

عندما رسب في مادة الرياضيات وذهب إلى بوسطن ليخبر والده، فوجد ويلي في غرفة فندق مع عشيقته.

حين ذلك أصيب بيف بخيبة أمل كبيرة بشأن بطله السابق لدرجة أنه تخلى عن أحلامه في الكلية واتباع خطى أبيه.

نظرًا لضياع ويلي في هذه الفكرة الخيالية، يغادر بيف وهابي المطعم مع فتاتين من دون أن يشعر ويلي بهما.

عندما يعود بيف وهابي إلى المنزل، تشعر ليندا بالغضب تجاههما لتخليهما عن والدهما.

بيف، وقد تملكه الخجل من سلوكه، يجد ويلي في الفناء الخلفي وهو يحاول زرع البذور في منتصف الليل،

بينما يتحدث مع شبح شقيقه بن حول خطته لترك مبلغ 20 ألف دولار لأسرته من أموال التأمين على الحياة.

يعلن بيف أنه سيكون أخيرًا صادقًا مع نفسه، وأنه لن يكون هو ولا ويلي من الرجال العظماء،

وأنه يجب على ويلي قبول ذلك والتخلي عن نسخته المشوهة من الحلم الأمريكي.

 يشرع بيف في البكاء، مما يعمق عزم ويلي على الانتحار بدافع الحب لابنه وعائلته، فيقود سيارته بعيدًا ليلقى مصرعه.

فقط عائلته وتشارلي وبرنارد يحضرون جنازة ويلي.

يصر بيف على أن ويلي مات من أجل لا شيء،

في حين أن تشارلي يرثي ويلي باعتباره بائعًا بحكم الضرورة لم يكن لديه ما يتاجر به سوى أحلامه.

تقول ليندا وداعًا لويلي وتخبره أن جميع أقساط المنزل قد تم سدادها،

وأنهم تخلصوا أخيرًا من التزاماتهم المالية، ولكن لن يكون هناك من يعيش في المنزل بعد اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى