
في الوقت الذي تشير جميع أصابع الاتهام إلى إسرائيل ، كمتهم رئيسي في عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والتي وقعت فجر اليوم الأربعاء في إيران .
بيد أن تفاصيل عملية الاغتيال وتوقيتها تحمل ربما تحمل بصمات جهات إيرانية داخلية، ومن المرجح أن تكون تلك الجهات هي نفسها التي تورطت في عملية إسقاط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في شهر مايو الماضي، وبعض العمليات الإرهابية التي تحدث في إيران من وقت لآخر .
تفاصيل عملية الاغتيال
وفقا للتقارير الرسمية الإيرانية فإن عملية اغتيال إسماعيل هنية، وقعت حوالي الساعة الثانية صباحا بتوقيت طهران، عن طريق إطلاق صاروخ موجه على مقر إقامة هنية ، ما أدى إلى استشهاده بجانب أحد حراسه .
وقالت وكالة الأنباء الإيرانية، إن مقر هنية اُستهدف بقذيفة أطلقت من الجو، وإنه يتم إجراء مزيد من التحقيقا لمعرفة ملابسات هذه العملية الإرهابية مثل الموقع الذي أطلقت منه القذيفة.
وأكدت وكالة أنباء فارس، أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كان يقيم في مقر خاص لقدامى المحاربين ، والذي يقع شمالي العاصمة طهران .
وأشارت بعض التقارير إلى أن الصاروخ الذي أصاب مقر هنية أطلق من خارج إيران .
وقالت حركة حماس إن إسماعيل هنية قضى إثر غارة صهيونية على مقر إقامته في طهران ، بعد مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان .

وبالرغم من اتهام الحركة لإسرائيل بتدبير عملية الاغتيال وتنفيذه عن طريق غارة جوية، إلا أنه يعتبر بعيدا شيئا ما عن الواقع، لاسيما أن عمليات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل داخل إيران تختلف كليا عن مثل هذا السيناريو .
واعتبرت عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده ذروة مشروع جهاز الموساد الإسرائيلي داخل إيران ، فالروايات حول الحادث تصف الحادث أنه كان عبارة عن إطلاق نار دقيقا- ربما بواسطة رشاش روبوتي يتم التحكم به عن بعد- وتفجير غامض تلاه عملية هروب غادر من خلالها فريق الاغتيال بسرعة وبسرية تماما كما دخل.
ومثل هذه العمليات التي قام بها الموساد لا تشبه تماما في طريقة تنفيذها أو التخطيط لها عملية اغتيال إسماعيل هنية، والتي ربما يجعل توقيتها شبيه بعملية سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له والذي كان على رأسه وزير الخارجية أمير عبداللهيان.
واتهمت إسرائيل أيضا بتدبير هذه العملية غير أن توقيت ومكان الحادث جعل الجناح المتشدد أبرز المتهمين وراء تدبير هذه العملية خاصة أن إيران الرسمية استبعدت عملية المؤامرة في إسقاط الطائرة .
توقيت الاغتيال
جاء توقيت اغتيال هنية بعد وقت قصير للغاية عقب إتمام اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية بكين في 23 يوليو 2024، لذلك لم يستبعد هذا التحليل اغتيال القيادي الفلسطيني البارز على يد المتشددين في إيران ، ما يفسر إدانة الصين السريعة لعملية الاغتيال .
وكانت إسرائيل بالطبع على رأس المستفيدين من الفُرقة الفلسطينة على مدار العقود السابقة ، فإن الجناح المتشدد أيضا كان من ضمن المستغلين أيضا للانقسام، لأن أجندته كانت تعتمد على نشر الطائفية ودعم التشدد في المنطقة لزعزعة الأمن في الدول العربية، عبر دعم كيانات وحركات موالية لسياسته فقط .

لذلك كانت هذه الحركات بمثابة عائق أمام أي مصالحة فلسطينية تنهي الانقسام وتجعل الفلسطينيين قادرين على تقرير مصيرهم بعيدا عن التدخلات الخارجية.
وبالعودة إلى عملية سقوط طائرة إبراهيم رئيسي ، فقد كان من المرجح أن الرئيس الإيراني السابقر تم اغتياله بسبب سياسته التصالحية مع دول الأقليم ، بجانب تخليه عن الخط المتشدد الذي اتبعته إيران خارجيا وداخليا منذ إندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وهو ما يجعل هدف اغتيال رئيسي وهنية يخدم نفس الجماعة التي تريد لإيران وضعا إقليميا معينا يخدم المصالح الإيرانية فقط على حساب مصالح الدول العربية ، وإن كان في نفس الوقت يخدم مصالح الجناح المتشدد في إسرائيل نفسها ، وللمفارقة أن هذا الجناح يتحكم فيه بكلا البلدين رجال الدين المتشددين.
مكان الاغتيال
لاشك أن اختيار مكان اغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران ، يثير العديد من التساؤلات ويحمل الكثير من الدلالات ، فهو من ناحية يجعل قضية اتهام إسرائيل بالتخطيط وتنفيذ هذه العملية منطقية إلى حد بعيد ، رغم أن التاريخ ينفي سعي إسرائيل لاغتيال هنية لعقود في الوقت الذي كانت تركيز عملياتها يستهدف اغتيال القادة العسكريين في حركة حماس .
ومن ناحية أخرى ، بجانب أن الاغتيال جاء في توقيت تقوم فيه إسرائيل وحركة حماس بالتفاوض لوقف الحرب في غزة وتحرير الرهائن الإسرائيلين الذين تحتجزهم الحركة في غزة ، ومن البديهي أن تل أبيب لا تسعى لاي تصعيد يطول قادة حماس لأن ذلك قد يعرض حياة مواطنيها المتجزين للخطر، ما يزيد تعقيد الأمور داخل إسرائيل نفسها .
وعلاوة على كل ما سبق فمن الممكن أن يكون الجناح المتشدد في إيران أراد أن يرسل رسالة إلى العديد من الجهات عبر هذا الاغتيال ، يأتي على رأس هذه الجهات الرئيس الجديد لإيران، والذي تعهد بمواصلة سياسة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ، وفى نفس الوقت أراد ألا يكون هناك أي إمكانية لوجود اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل في غزة وهو ما يضمن بقاء المنطقة في حالة اشتعال .
في النهاية بالطبع إسرائيل ليست بعيدة عن التورط في مثل هذه العمليات القذرة ، لاسيما في ظل فورة عمليات الاغتيال التي تقوم بها خلال الشهور والسنوات الثلاث الأخيرة في كل من سوريا وإيران ولبنان والأراضي المحتلة، لكن من المهم ألا نغفل أن تكون هناك جهات أخرى متورطة ، ولها مصالح تتشابك مع مصالح الجهات التي لا تريد لهذه المنطقة أن تنعم بالاستقرار أو الأمن .