“الصهيونية العالمية” لعباس العقاد.. الأهداف الخفية وراء إقامة وطن قومي لليهود

تبرز الحركة الصهيونية العالمية كقوة مؤثرة شكلت مجرى الأحداث في المنطقة العربية، منذ إنشاء دولة إسرائيل كوطن قومي لليهود.
يقدم لنا المفكر المصري الكبير عباس محمود العقاد في كتابه “الصهيونية العالمية” تحليلاً عميقاً لهذه الحركة، يكشف عن أسرارها وأهدافها الحقيقية.
في هذا المقال، سنتناول ملخصًا لهذا الكتاب الهام، ونستكشف الأفكار الرئيسية التي طرحها العقاد حول الصهيونية.”
يستهل العقاد كتابه بالقول “هذه الصهيونية بغيضة إلى كل الناس، بغيضة من كل بلد، بغيضة في كل زمن، بغيضة في الزمن الحديث”.
لا يحبها ولا يعطف عليها أحد باستثناء أنصارها المستعمرين والمتعصبين.
الصهيونية حركة سياسية هدفها هو السيطرة على ثروات العالم والتحكم في مصادر قراره السياسي.
وهي التي عملت على تأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين.
وقد اعتمدت هذه الحركة في ترويجها لفكرة الدولة اليهودية على مجموعة من الأكاذيب والمعلومات المغلوطة والدعاية المزيفة لتلميع صورة الشعب اليهودي في الأرض المحتلة وإعطائه الحق في ارتكاب جرائمه غير الإنسانية.
ورغم أن التاريخ الحقيقي يكذب كل تلك المزاعم الصهيونية، خاصة المتعلقة باضطهاد اليهود من الأمم الأخرى، إلا أن هذه الحركة تلقى دعمًا منقطع النظير من الدول الاستعمارية الكبرى منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن.
الفصل الأول في كتاب الصهيونية العالمية
أثارت الحركة الصهيونية فكرة إنشاء وطن قومي لليهود خلال القرن الثامن عشر.
استمرت مدينة بيت المقدس في أيدي اليبوسيين العرب الكنعانيين منذ عهد النبي إبراهيم حتى عهد النبي موسى عليهما السلام، وأيضًا بعد ذلك بقرون.
ورغم بناء الهيكل في زمن النبي سليمان عليه السلام، إلا أن اليهود لم يدعوا حقًا في المدينة كما أنها لم تكن مقدسة بالنسبة لهم.
وفي عام 500 قبل الميلاد، احتل البابليون بقيادة نبوخذ نصر المدينة وقاموا بتدمير هيكل سليمان وأسروا أعدادًا كبيرة من اليهود وذهبوا بهم إلى مدينة بابل.
وبعد اجتياح الفرس لبلاد ما بين النهرين، أمر الإمبراطور الفارسي كورش الكبير بإعادة طائفة من اليهود إلى بيت المقدس حيث أعادوا بناء الهيكل مرة أخرى.
وبذلك، عندما ظهر السيد المسيح، كان اليهود متفرقين في أرجاء الإمبراطورية الرومانية.
وقد ظل اليهود على هذا الحال من التشتت بين الدول والإمبراطوريات حتى القرن الثامن عشر، إذ كانوا يعزلون أنفسهم عن الشعوب التي يعيشون بينها في مجتمعات مغلقة ويقتصرون على العمل في التجارة والصرافة بهدف السيطرة على موارد المال أينما حلوا.
أيضًا، كانوا يناصرون المحتل ويشعلون الفتن لإثارة البلبلة وتفكيك المجتمعات التي ينتمون إليها مما ييسر لهم تحقيق أهدافهم في السيطرة المالية والسياسية.
ومع ظهور عصر القوميات، أثار اليهود فكرة الوطن القومي والمساواة مع الطوائف الأخرى في البلدان التي كانوا يعيشون فيها.
ولكن بعض تلك البلدان لم تنظر إليهم باعتبارهم مواطنين لأنهم لم يعرفوا الولاء إلى وطن معين بل كانوا منغلقين على أنفسهم ومعتقداتهم.
هنا طالب الفيلسوف اليهودي الألماني الصهيوني موريس هيس في كتابه “روم وأورشليم” أن تكون القدس مركزًا لليهودية كما أن روما مركز للمسيحية، مع ضرورة الاعتراف بوجود وطن لليهودي مما يخلي مسؤوليته من الولاء المطلق لوطن واحد.
مؤتمر بازل والحركة الصهيونية العالمية
في مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897، تم تعريف الصهيونية بأنها حركة ترمي إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وذلك من خلال ترقية اليهود المقيمين في فلسطين وتقوية الوعي اليهودي واتخاذ خطوات للحصول على السند الضروري من الحكومات الكبرى بعد السيطرة عليها.

وأثناء الحرب العالمية الأولى، اتصل اليهود بالمعسكرين المتحاربين من أجل تحقيق مصالحهم.
وبالفعل قدمت الصهيونية دعمًا ماليًا كبيرًا عبر أثريائها إلى بريطانيا أثناء الحرب.
فما هو المقابل الذي حصلت عليه الصهيونية من بريطانيا؟
نجاح المشروع الصهيوني برعاية بريطانية
نجحت الحركة الصهيونية العالمية في تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين برعاية بريطانية.
خرجت بريطانيا من الحرب العالمية الأولى منتصرة ولكنها كانت قد بدأت في تنفيذ خطتها الهادفة إلى تمكين الحركة الصهيونية من فلسطين قبل نهاية الحرب بعام واحد.
فأعلنت الانتداب على فلسطين ثم أصدر وزير خارجيتها آرثر جيمس بالفور وعدًا لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين عام 1917.
كما شجعت هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين بأعداد كبيرة حتى قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939.
وبعد انتهاء الحرب واصلت العصابات الصهيونية عدوانها على الشعب الفلسطيني وفي عام 1947 صدر قرار من الأمم المتحدة بتقسيم أرض فلسطين بين العرب واليهود.
بعد ذلك بعام انسحبت بريطانيا من فلسطين وقد اطمأنت لسيطرة اليهود على مناطق مهمة في فلسطين فتم إعلان دولة إسرائيل واعترفت بها أغلب الدول الكبرى مما أدى إلى قيام حرب بين العرب وإسرائيل عام 1948.
ولكن العصابات الصهيونية ذات الخبرة والتجهيز العسكريين والدعم الكبير الذي تلقته من الدول الكبرى حسمت المعركة لصالح إسرائيل.
ولم تتوقف مخططات الحركة الصهيونية عند هذا الحد، بل إنها تهدف إلى السيطرة على العالم وذلك بالاستناد إلى ادعاءات كاذبة عن اليهود وتاريخهم.
فالصهاينة يزعمون أن الله لهم وحدهم وأنهم شعب الله المختار دون غيرهم لن يقبلوا مشاركة أحد لهم في هذا الاحتكار.
أكاذيب الصهيونية العالمية
تروج الحركة الصهيونية العالمية كذبة مفادها أن اليهود يتعرضون للاضطهاد من الشعوب الأخرى بسبب تفوقهم ونبوغهم.
كان الصهاينة منبوذين في كل مكان أقاموا فيه، وكرههم الناس في مختلف العصور والدول.
ولكن في العصر الحديث، حدث خلط بين الكراهية المعروفة للصهاينة اليهود وبين انتمائهم الديني.
فتم الترويج على أن اليهودية مكروهة لأن الشخص يهودي، مخالفًا لعقيدة الآخر، وليس لأنه مخرب ينتمي إلى جماعة صهيونية تخريبية.
الأمر الذي أدى إلى ظهور تهمة “العداء السامي”، وأصبح كل من يعارض جرائم الصهاينة متهمًا بالعداء للسامية.
وكأن اليهود فقط هم من ينتمون إلى العرق السامي .
من جهة أخرى،يروج الصهاينة أيضًا أن اليهود تعرضوا للاضطهاد في مختلف العصور.
وخاصة على أيدي النازيين الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية.

المفاجأة الكبرى أن هجرة اليهود من ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية كانت باتفاق مع الزعيم النازي أدولف هتلر.
وكانت تحت إشراف عدد من القادة الصهاينة في القارة الأوروبية.
كان للحركة الصهيونية مكتب معترف به في برلين، وكان هذا المكتب ينظم الهجرة الصهيونية سرًا إلى فلسطين في وقت يتحدث فيه العالم عن فضائع وجرائم هتلر بحق اليهود.
وقد قال الجنرال البريطاني مورغان بعد هزيمة ألمانيا إنه لم يرَ أحدًا من المهاجرين اليهود في حالة سيئة،
وأنهم جميعًا يهاجرون ووجوههم مشرقة وجيوبهم منتفخة بالأموال.
يزعم الصهاينة أيضًا أن كراهية الشعوب لليهود سببها تفوقهم ونبوغهم، وهذا وهم كبير يدحضه الواقع.
فمن الناحية الثقافية والفنية، لا نرى أن الصهاينة أنشأوا ثقافة مستقلة عن المجتمعات التي يعيشون فيها.
وفي مجال الاقتصاد والإعلام، يجد الكتاب والمفكرون الصهاينة دعمًا لا مثيل له عند غيرهم.
كما ولا يوجد أي آثار تاريخية ولا كتب تدل على نبوغ اليهود في الفلك أو الجغرافيا أو الهندسة أو الطب.
النفوذ الصهيوني في عواصم الدول الكبرى
يشغل عملاء الحركة الصهيونية مناصب مهمة في الدول الكبرى ويعملون على تنفيذ المخطط الصهيوني. تحرص الحركة الصهيونية على أن يكون لها عملاء في مختلف المجالات والمؤسسات.
ففي الاقتصاد، هناك أباطرة مال صهاينة معروفون مثل عائلة روتشيلد وروكفلر.
وذلك ما يمكن الصهاينة من السيطرة على السياسة بتمويل الحملات الانتخابية النيابية أو الرئاسية الداعمة لهم في الدول الكبرى.
وقد اهتم الصهاينة بالوصول إلى مجلس النواب البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية من أجل دعم قضية الاستيطان في فلسطين.
وتملك إسرائيل والصهيونية قاعدة ضغط كبيرة في الولايات المتحدة تستخدمها كثيرًا لشن حملات على أعدائها وتمرير قوانين لصالح إسرائيل.
من جهة أخرى، تتقرب الحركة الصهيونية إلى مراكز صنع القرار في الدول الكبرى أثناء الحروب والأزمات.
حيث أحاط بالرئيس الأمريكي وودرو ويلسون عدد من الموظفين الصهاينة أثناء الحرب العالمية الأولى.
كما أحاطوا بفرانكلين روزفلت رئيس أمريكا أثناء الحرب العالمية الثانية.
وكان للصهيونية دور كبير في إسناد الكثير من المناصب السياسية لوينستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية الذي يفتخر دائمًا بأنه صهيوني.
هذا وقد دعمت الصهيونية الثورة الشيوعية في روسيا بالمال وروجت لها إعلاميًا.
والدليل على ذلك أن رئيس الدولة الشيوعية الأولى في العالم روسيا جريجوري زينو فايف كان صهيونيًا واسمه الأصلي ابفيل بوم.
وكان وزير الخارجية ماكسيم ليتفينوف واسمه الصهيوني فينكلشتاين.
تأثير الفكر الصهيوني على العلماء والمفكرين
امتد النفوذ الصهيوني ليطال عددًا من العلماء والمفكرين.
فكثير من العلماء والمفكرين اليهود تأثروا بالمشروع الصهيوني وروجوا له.
يروج الصهاينة لأفكارهم عبر مجموعة من حَمَلة الأقلام الماجورين في الصحف والمجلات والمحاضرات.
الهدف من ذلك هو إعلاء شأن البارزين من اليهود في أي مجال،
سواء كان فنيًا أو أدبيًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا.
فاليهودي الألماني كارل ماركس كان وراء نشر الشيوعية التي تهدم قواعد الدين والأخلاق.

أما عالم النفس اليهودي سيجموند فرويد فيرجع كل ميول الإنسان الدينية والخلقية والأسرية إلى الغريزة الجنسية.
ولعل كثرة حديثه عن العقد النفسية إشارة إلى معاناته من بعض تلك العقد التي تحدث عنها.
وبالنسبة لألبرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية، فكان متعصبًا للفكر الصهيوني منحازًا لإسرائيل.
تسيطر الصهيونية أيضًا على الصحف الكبرى في العالم وشركات الدعاية والإعلان وشركات النشر والتوزيع وهيئات الثقافة العالمية.
ففي الصحف، تشتري حصة كبيرة تمكنها من الإشراف على المحتوى والسياسة التحريرية.
كما تضغط على الصحف من خلال منع الإعلانات عن الصحف المعارضة لها.
يقوم الصهاينة أيضًا بتمويل دور النشر وإدارتها والإشراف عليها.
مستقبل الصهيونية العالمية
مع كل تلك الوسائل التي تستخدمها الصهيونية العالمية للترويج إلى منهجها وأفكارها،
إلا أن هناك آراء متعددة تقول بعدم إمكانية الصهيونية على البقاء.
هناك الكثير من الآراء والدراسات التي تقول بزوال الصهيونية ونهايتها في المستقبل.
هناك قطاع لا بأس به من اليهود حول العالم يعارضون فكرة الوطن القومي في فلسطين.
أيضًا، يعد اعتماد إسرائيل بشكل رئيسي على الدعم الغربي في مجالات الاقتصاد والتسليح نقطة ضعف ومصدر خطر.
بالإضافة إلى ذلك، هناك دراسات وأبحاث صهيونية تؤكد أن كراهية اليهود ما زالت موجودة لدى الأجيال الجديدة.
من جهة أخرى، يطالب المفكرون الأوروبيون أمثال نورمان أنجل وتوماس مان الحائز على جائزة نوبل وغيرهما؛
بعودة اليهود الأوروبيين إلى مواطنهم الأصلية.
فماذا عن العرب؟ وهل بإمكانهم مقاومة الصهيونية؟ يفتعل الصهاينة المشاكل والحروب مع العرب باستمرار لدفعهم للصلح مع إسرائيل والانخراط في علاقات دبلوماسية معها.
من جهة أخرى، تستغل الصهيونية كبار اليهود المقيمين في الولايات المتحدة وما لهم من نفوذ ومال في الضغط على الحكومة الأمريكية ومراكز صنع القرار هناك لتتخذ قرارات في صالح إسرائيل.
وفي المقابل، يمكن للجالية العربية في أمريكا تشكيل جماعات ضغط لفضح جرائم الصهاينة وكشف خطرها على المجتمع الأمريكي.
خاتمة كتاب الصهيونية العالمية
قامت الحركة الصهيونية على الترويج لفكرة اضطهاد اليهود من قبل النازيين والشيوعيين في أوروبا.
هذا على الرغم من أنهم كانوا على تفاهم مع القادة الشيوعيين والنازيين.
فعلى سبيل المثال، عدد كبير من مؤسسي الشيوعية كانوا في الأساس يهودًا وصهاينة.
الدخول في علاقات معها وفي سبيل ذلك، وبسبب النفوذ الصهيوني في العواصم الغربية.
تتعمد الدول الأوروبية والولايات المتحدة القضاء على أي منافس اقتصادي أو عسكري لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط..
لذا فإن مقاطعة العرب لإسرائيل هي الحل الوحيد لمواجهة الخطر الصهيوني والقضاء عليه.
يجب التنويه بأن هذا النص يعكس وجهة نظر مؤلفه.
وقد توجد وجهات نظر أخرى حول هذه القضية لا يتغاضى موقع الريبورتاج عن نشرها.